تيم حسن.. الجوكر
مع نهاية هذا العام يكون النجم السوري تيم حسن-1976- قد أنهى عامه ال 20 في مسيرته الفنية في الدراما التلفزيونية بشكل خاص، الحياة الفنية التي بدأها بالمسلسل الشهير “كان يا ما كان ج4″، ودارت عجلة الأعمال التي سطع نجمه فيها ومنذ البداية، ليجيء دوره الذي شخصه في مسلسل “الزير سالم” من أول البراهين على أن هذا الممثل يعرف تماماً ماذا يفعل، وكيف يؤدي ويُبهر، إن كان على مستوى الأداء الحركي الإيمائي، أو الصوتي، عدا عن الصيغة الرياضية المشغولة بدراية وإتقان قل نظيره، التي يسبغها على كل شخصية يؤديها، وليصبح بعد أعوام قليلة من أهم النجوم المحليين، وهو اليوم في صدارة نجوم العالم العربي، حتى صار من أراد الشهرة في عالم الفن، يريد الظهور معه ولو في دور صغير، وسيضع في ال ( c.v) الخاص به أنه أدى مع “تيم حسن” في أحد الأعمال؛ أشهر نجمات الفن في لبنان، كان قد بدأ البريق يذوي عنهن قبل أن يمد يده “جوكر” الدراما العربية ليعيد لهن الألق من جديد، فممثل من طراز تيم، يرفعه أداءه وحسن اختياره لأدواره لمصاف تتفوق على أهمية المخرج والكاتب في العمل، إنه وعلى عكس كل ما هو شائع ومعروف عن كون الورق –السيناريو– هو الرافع الأساسي للعمل الدرامي، فإن هذا الفنان كسر هذه النظرية، فحضوره في أي عمل درامي كاف ليصبح هذا العمل في الصدارة عند الجمهور، وإن كان ثمة من مآخذ على بعض الخيارات الفنية له، لكن هذا لا ينفي أنه ممثل تنتظره العالمية إن رغب فاتحة ذراعيها لواحد من أهم النجوم في عالم التمثيل محلياً وعربياً.
أثناء دراسته للتمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، عرف عنه الانضباط القاسي في العمل، البعد عن الأمراض العمومية لهذا الوسط، اشتغاله بدراية وخبرة على تطوير أدواته الفنية في الأداء، ابتعاده عن حب الظهور لأجل الظهور، على العكس من الكثير ممن يحسبون أنفسهم نجوماً –وهم كذلك ولكن بحكم ظهورهم المستمر على الشاشة وفي أي شيء–في الوقت الذي كان يُعرض عليه أرقاماً تصيب بالذهول لتقديم إعلان دعائي عن منتج شهير عالمياً، أو لقاء في برامج من تلك البرامج التي تستهوي الجمهور، لكنه كان يظهر عندما يريد هو في مناسبات نادرة، وفي برامج لها سمعتها الطيبة عند الأسرة العربية عموماً، إنه من النجوم الذين صنعوا مجد نجوميتهم بأدائهم الذي لامس الصغير قبل الكبير، لا من رُكاب بوسطة “التريند” أو من صناعة السوشيال ميديا عموماً، ففي عام 2006 قدم تيم حسن واحداً من أهم الأدوار في حياته الفنية الحافلة، بعد أن صنع لنفسه مكانه الخاص وبهدوء دون ضجيج أو فبركات يلجأ إليها الكثير من نجوم اليوم للبقاء على قيد اللمعان، شخصية “عبود” في مسلسل “الانتظار “، هي من الشخصيات الصعبة نظراً لتركيبتها المعقدة، إنها أكثر من شخصية في شخصية واحدة، استطاع نجمنا أن يجعلها تدخل القلوب بلا استئذان، سواء كان عبود “اللص” الذي يسرق ليعطي الفقراء، أو عبود “المشكلجي” ولكن على حق، عبود العاشق، عبود المعروف في النوادي الليلية التي تجمع من كل صنف ولون، وفي كل مفصل من هذه الشخصية، استطاع بطل “صقر قريش” أن يقدمها بمفرداته الخاصة وطبيعة قراءته للشخصية وظروفها، ورغم أن نجوميته وصيته الفني كان قد انتشر قبل ذلك المسلسل، لكن ومن وجهة نظر شخصية فإن النجومية الفعلية لهذا الفنان المتمكن والواثق، استعصمت فيه بعد عرض “الانتظار“، طبعا لا ننسى “التوليفة” المنسجمة للعمل إن كان على مستوى النص أو الممثلين الآخرين، ومنهم من سبقه في النجومية الفنية بسنوات طويلة، لكن عبود البطل “التراجيدي” هنا، قدر وبكل بساطة ظاهرة وجهد مهول مبذول في الأداء، أن يكون العمود الفقري للعمل وواجهته الأكثر لمعاناً.
قبلها بعام أي في عام 2005 قدم شخصية “نزار قباني” في عمل السيرة الذاتية الذي حمل ذات الاسم، والمتابع أو من قارن بين كل من شخصية الشاعر الكبير نزار قباني وبين من قدمها في ذلك العمل درامي، سيلاحظ أن تيم حسن لم يعمد إلى محاكاة نزار في أدائه، لقد ذهب نحو المنطقة الأكثر ملاءمة من وجهة نظر فنية لتقديم هذه الشخصية الطائرة الشهرة، ويعرفها الجميع ومن مختلف الأعمار والخلفيات الثقافية–وهنا مكمن خطورتها–وخصوصاً أنه قدم القسم المتعلق بمرحلة شباب “قباني” الفترة الأكثر اضطراباً في حياته، والتي لم يكن يوجد ما يوثقها في ذاك الزمان، خلا بعض الصور، ورغم ذلك لم يشك الجمهور للحظة واحدة بأن الشخصية التي قدمها تيم، هي شخصية نزار في شبابه، لقد حاك بعناية بالغة تفاصيلها على مستوى الشكل والأداء، وحدث أن أثار العمل ضجة كبيرة محلياً وعربياً، خصوصاً في المرحلة التي شخصها تيم من حياة “نزار“.
جوكر الدراما المحلية والعربية المشتركة، المنحدر من قرى الساحل السوري، كان قد غادر مسقط رأسه بداية نحو العاصمة وهو في مرحلة الطفولة، وها هو بعد أقل من 20 عاماً يغادرها نحو فضاءات أوسع وعوالم أرحب، احتفت به مصر بلد الفن والنجوم، ثم احتفى به العالم العربي عندما دخل كل بيت تقريباً من خلال أعماله.
كان قد أثار الموسم الأخير من مسلسل “الهيبة الرد” العديد من ردود الأفعال المتباينة حول طبيعة العمل نفسه، ومما أثاره أيضاً ما توجه به الكاتب أحمد قصار “أحد كُتّاب ورشة العمل–عما قدمه “جبل” في العمل المذكورـ بعد أن تكلم قصار عن خروج تيم حسن عن السيناريو في العديد من المفردات التي صارت جزءا لا يتجزأ من شخصية “جبل” والتي أصبحت على لسان الجمهور بكبيره وصغيره، ورغم أن السوية الفنية للقصة عموماً متدنية، إلا أنها لم تكن لتنال كل الشهرة التي نالتها لولا أن تصدى لها ممثل محترف ونجم من العيار الثقيل مثل تيم حسن، ولولا أن استخدم تلك المفردات التي هي فنياً –كما أشرنا– من التركيبة الأساسية لهذه الشخصية، لربما انهار العمل برمته، فهذا الممثل يدرك أن شخصيته هي رافعة العمل، وما أحبه الناس فيها، هو ما سيجعلها تنبض بالحياة، خصوصاً مع سيناريو ضعيف الحبكة، وحوار ضعيف البناء.
تمّام علي بركات