أمريكا.. لا تزال تهمة الإرهاب مرفوعة في وجه السودان!!
ماذا يعني قرار أمريكا إعادة الحصانة السيادية للسودان بعد رفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وما علاقته بالتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
يضفي قرار الكونغرس الذي صدر مساء الإثنين 21 كانون الأول الصبغة الرسمية على الخطوة التي اتخذها الرئيس المنتهية ولايته برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وكان لتوصيف السودان بأنه دولة راعية للإرهاب الساري منذ قرابة ثلاثة عقود تداعياته السلبية على الاقتصاد السوداني وقيّد قدرته على تلقي المساعدات. وبالنسبة للمستثمرين يزيل قرار إعادة الحصانة السيادية قدراً آخر من المخاطر المالية.
ومنذ أشهر يجري السودان محادثات مع الولايات المتحدة لرفعه من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في أعقاب ثورة ملونة استمرت شهوراً وأوقعت مئات الضحايا.
لكن ترامب ربط رفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب بالتطبيع مع إسرائيل، فيما وصف بأنه ابتزاز مباشر، ووافق العسكريون داخل مجلس السيادة الذي يحكم البلاد على خطوة التطبيع مع إسرائيل فيما عارضها المدنيون.
وقد دفعت الخرطوم تسوية تم التوصل إليها من خلال التفاوض قدرها 335 مليون دولار لضحايا هجمات تنظيم القاعدة على سفارتين أمريكيتين في شرق إفريقيا عام 1998، وذلك بعد أن أصدرت محاكم أمريكية أحكاماً بفرض تعويضات أكبر كثيراً عليه.
وكانت عملية صرف أموال التسوية وإعادة الحصانة السيادية للسودان، والتي تحميه من أي دعاوى أمام القضاء الأمريكي، قد تعطلت في الكونغرس الأمريكي لارتباطها بصفقة خاصة للتغلب على تداعيات فيروس كورونا والبالغة 892 مليار دولار. ومساء يوم الإثنين أقر الكونغرس الاتفاق الأوسع بعد التوصل لاتفاق في جلسة نادرة عقدت خلال العطلة الأسبوعية وأُرسلت إلى الرئيس دونالد ترامب لاعتمادها.
لكن التشريع الأمريكي يتضمن بنداً استثنائياً يسمح بالاستمرار في نظر الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحاكم الأمريكية والتي رفعتها أسر ضحايا هجمات أيلول 2001 في الولايات المتحدة وذلك رغم أن خبراء يقولون إن من المستبعد أن يخسر السودان هذه القضايا.
إذ يرجع إدراج الولايات المتحدة السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب إلى عام 1993 على أساس أن نظام الرئيس المعزول البشير يدعم جماعات متطرفة. وخلال التسعينيات استضاف السودان أسامة بن لادن وتحول إلى نقطة ارتكاز للحركات الإسلامية رغم أن الخبراء يقولون إن مسؤولية السودان عن هجمات 11 أيلول مشكوك فيها، حيث غادر أسامة بن لادن الخرطوم قبل سنوات من تلك الهجمات.
وقد رحبت وزارة العدل السودانية، الثلاثاء 22 كانون الأول، بتمرير الكونغرس الأمريكي لقانون استعادة السودان للحصانة السيادية، ووصفت الوزارة هذا التطور بـ”التاريخي الكبير في علاقات السودان بالولايات المتحدة”.
وأضاف بيان الوزارة أن هذا التطور “يعني فعلياً انعتاق البلاد مرة واحدة وللأبد من تداعيات فترة حالكة في تاريخ علاقتها مع الولايات المتحدة والعالم، كما أنه يؤشر لعودة البلاد إلى وضعها الطبيعي كدولة ذات حصانة سيادية على قدم المساواة مع كل الدول الأخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، يفتح هذا التشريع من تاريخ سريانه فصاعداً المجال واسعاً وممتداً أمام السودان للتعاون الاقتصادي والمالي مع الولايات المتحدة والدول الأخرى بكل حرية وطمأنينة ودون خوف أو خشية من تعرض أمواله وممتلكاته للمصادرة أو الحجز بسبب الأحكام القضائية ذات الصلة بالإرهاب”.
وأوضحت أن التشريع الذي تمت إجازته “يوفر حماية شاملة للسودان ضد أية قضايا مستقبلية يمكن أن ترفع ضده بموجب قانون الإرهاب”.
وإن كانت تلك الإشارة الأخيرة في البيان السوداني تجاهلت القضايا المرفوعة بالفعل والتي استثناها التشريع الأمريكي، فرغم أن الاحتمال الأكبر هو ألا تصدر أحكام بحق الخرطوم يظل صدور أحكام احتمالاً قائماً مهما كان ضعيفاً.
بمقتضى التشريع ستصدر واشنطن تفويضاً بدفع 111 مليون دولار لسداد جزء من دين ثنائي على السودان و120 مليون دولار للمساهمة في سداد ديون عليه لصندوق النقد الدولي، وفي الوقت نفسه ستتيح للسودان مساعدات قدرها 700 مليون دولار حتى أيلول 2022.
وفي الأسبوع الماضي أعلن وزير المالية السوداني عن قرض تكميلي أمريكي سيسمح للسودان بتسوية متأخرات عليه للبنك الدولي قدرها مليار دولار.
وقال مصدر أمريكي مطلع على الأمر إن مساعدات الديون ستسهم في إطلاق عملية تخفيف أعباء الديون على السودان على مستوى عالمي، مما يساعد في تأهله لبرنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون بصندوق النقد الدولي.
وقال المصدر الأمريكي المطلع لرويترز إنه بإعادة الحصانة السيادية والمساعدات المالية ستصبح الخرطوم ملتزمة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وهي خطوة وافقت عليها تحت ضغط أمريكي.
ففي بيان مشترك صدر في تشرين الأول أكد الكيان الصهيوني والسودان إنهما اتفقا على تطبيع العلاقات وإنهاء حالة الحرب بينهما، غير أن القادة المدنيين في السودان قالوا إن القرار النهائي سيصدره مجلس انتقالي لم يتشكل بعد.
ويخصص التشريع الأمريكي أيضاً 150 مليون دولار لمدفوعات التسوية السودانية وذلك من أجل إعادة توزيع الأموال على نحو أكثر إنصافاً، على حد قول من تقدموا بالتشريع.