“البقلاوة” على صفحات التواصل الاجتماعي
لا أحد يستطيع أن ينكر أن مجتمعاتنا الشرقية تعاني وبشكل كبير من الجهل والكبت وأنواع عديدة من التخلف، لكننا في نفس الوقت لا نستطيع أن نفرض حالة من التعميم على كل شرائح المجتمع فهناك المثقف والجاهل، هناك الجيد والرديء، لا يوجد مجتمع خال من العيوب، فمن الواجب والمحتم أن يقوم البعض بعملية التوعية لكن بشرط ألا تنسف جميع شرائحه.
يأتي هذا الحديث بسبب انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً بدعم من مؤسسة “أبعاد” غير حكومية والتي تدافع عن قضايا المرأة في العالم العربي، ضمن حملتها “صانعة أمان“، هذا الفيديو حمل عنوان “بقلاوة” هذه الحلوى الشرقية والمعروفة في أنحاء العالم والتي أراد صناع الفيديو تشبيهها بالمرأة من حيث حلاوتها وهشاشتها، من حيث طعمها الجميل الذي يحلي ويعطي للحياة رونقاً أخاذاً وطعماً جميلاً، في هذا المقطع تحدثت الفنانة اللبنانية ريمي عقل عن العنف اللفظي والجسدي وتعرضها للقمع والعنف في ظل نظام ذكوري سلطوي ينظر إلى الأنثى نظرة دونية وعلى أنها أداة للمتعة.
وفي تعليق لجمعية “أبعاد” على الفيديو الذي نشرته على انستغرام: “محتوى هذا الفيديو قد يزعج العقل والقلب، ربما لأنه يصور المجتمع الأبوي على حقيقته، والمطلوب؟ الأمان لمن تصنع الأمان“. وجرى التعريف عن الفيديو بمقدمة شاعرية، ورد فيها: “الأحمر هنا لا يرمز للميلاد، وهذا الفيديو يحتوي على مشهد لم يتم عرضه من قبل، ولم أقم بجعله أكثر دراما، هو فقط يؤذي العقل والعين القلب والروح بحقيقته ووقعه على النظر والخيال والذاكرة والصحة النفسية. لكنه ليس درامياً لا تقلق“.
يطرح العمل عدة قضايا تخص المرأة من التحرش، إلى زواج القاصرات، مروراً بالتعنيف اللفظي والجسدي، والاغتصاب الزوجي. هذا العمل الذي لا تتجاوز مدته الثلاث دقائق كان قد أحدث ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ومعارض للأفكار، الأغلبية كانوا متفقين على جرأة الممثلة الشابة وإبداعها في تقديم المضمون إلا أن البعض الآخر كان معترضاً على فكرة التعميم. فاستنكر البعض محاولة تشبيه الرجل ودق جرس الإنذار بترديد كلمة “لأنك خطر، لأنك خطر، ولأنك الخطر” فيصبح الرجل تجسيداً للخطر بحد ذاته، فيما هي صانعة الأمن والأمان.
على الرغم من أن الفيديو يسلط الضوء على القمع والظلم الذي تعاني منه المرأة إلا أن هناك انتقادات كثيرة له من الجنس اللطيف فتقول إحداهن: العنف ضد المرأة هو حقيقة موجودة ولا يستطيع أحد إنكارها، لكن هل العنف فعلاً من الرجل فقط؟!، العنف من المرأة للمرأة، العنف من المرأة لنفسها، وحتى العنف من المرأة للرجل، التعميم بأي موضوع هو خطأ، والتوجه العام بنص ركيك وضعيف لاستثارة العواطف هو احتيال، كنت أتمنى من هذه الإنتاجية العالية أن يكون المحتوى موجها لتعزيز المرأة وتمكينها ومحاولة إظهار جوانب القوة والانجاز القادرة على القيام بها عوضاً عن ترسيخ فكرة “أنا البقلاوة الحلوة الهشة الضعيفة التي تنتظر العطف“. وأخرى عبرت عن تعبير الخطر قائلة: “كل الرجال الذين مروا في حياتي لم يكونوا الخطر بل كانوا الأمان والأمن والفخر، أبي، أخي، صديقي، وغداً ابني وحفيدي، أما الآخرين الذين عرفتهم وربما خذلوني يوماً ما، كانوا هم الضعفاء واستطعت أن أحمي نفسي منهم، وأكون شخصيتي“.
أحد الشبان كتب على صفحته: “بعد مشاهدة الفيديو أحسست بنفسي وحشا، لا أحد في العالم يستطيع إنكار أن العنف الجسدي الأكبر يقع على النساء ولكن في نفس الوقت، الحماية وإحساس الأمان والدعم النفسي والمعنوي أيضاً يأتي في كثير من الأوقات من الرجل للمرأة“.
عُلا أحمد