الشرق الأوسط في ظل رئاسة جو بايدن
ريا خوري
شهدت منطقة الشرق الأوسط تغييرات سياسية إستراتيجية وديناميكية خلال السنوات العشر الأخيرة، وتبدّلت من حال إلى حال، والرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن ليس كما كان عضواً في مجلس الشيوخ أو نائب الرئيس، وجرت في الوقت نفسه تحوّلات سياسية عميقة تراوحت ما بين البنيوية والإستراتيجية لحقت ببنية السياسة الأمريكية العالمية، لذا نحن أمام مقاربة سياسية جديدة، وبمعايير جديدة.
هذه المعادلة هي التي ستوضح وتفرز التفاعلات المتلاحقة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتحديد أولوياتها، والقضايا الرئيسية الهامة التي ستحظى بالاهتمام والقرارات السريعة. لا خلاف على أن بايدن سياسي محنك وصاحب خبرة كبيرة في سياسات المنطقة، ويعرف تمام المعرفة دهاليزها ومداخلها ومخارجها، ويعرف قادتها، لكنه أتى إلى الحكم بعد إرث كبير وثقيل خلفه الرئيس السابق دونالد ترامب وإدارته داخلياً وخارجياً، كما ورث تحديات كبيرة جداً، تهدد روح الولايات المتحدة الأمريكية الواحدة.
ستكون لهذه التحديات الأولوية القصوى في إدارة بايدن، وستظل القضايا الخارجية مرهونة بها ومرتبطة معها. ومما لا شك فيه أن منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من التراجع في أهميتها الإستراتيجية العليا للسياسة الخارجية الأمريكية، فإنه لا يمكن تصور تخلي الولايات المتحدة الأمريكية تحت إشراف إدارة بايدن عن هذه المنطقة، وإن تفاوتت ملفاته بالنسبة لإدارته. وقد يحتل الملف النووي الإيراني أولوية كبرى، والعمل على المحافظة، قدر الإمكان، عليه.
كذلك هناك تحدي كبير أمام بايدن وهو العمل الحثيث والجاد على استعادة العلاقات التقليدية مع دول الاتحاد الأوروبي، أما غير ذلك فلا يهتم به كثيراً. ومن الملفات والقضايا الهامة في منطقة الشرق الأوسط، والتي كانت السبب الأكبر في التوتر في العلاقات بين دول المنطقة، هو الموقف الداعم للإرهاب، حيث يرى المراقبون أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة قد يمارس سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، بعد الكثير من التحولات التي لحقت بالمنطقة، وما تبعها من زيادة النشاطات الإرهابية في أوروبا ، لهذا سيتم مراجعة هذا الملف بشكلٍ كبير جداً، وذلك لحرص إدارة بايدن على أن لا تكون سبباً في توتر العلاقات مع دول منطقة الشرق الأوسط التي ستكون حريصة عليها.
أما الملف الأكثر صعوبة وتعقيداً وإلحاحاً فهو ملف الصراع العربي- الصهيوني بشكل عام، ومستقبل المشروع الذي طرحه ترامب وصهره كوشنير والذي أطلق عليه “صفقة القرن”. وفي هذا الملف تحديداًن يرى المراقبون السياسيون أن هناك تردداً في هذا الملف، متسائلين هل سيحظى هذا الملف الهام جداً باهتمام إدارة بايدن؟. من المعروف عن الرئيس جو بايدن أنه يعالج الخلافات البينية في الغرف الخاصة والمغلقة، لذلك لن يعلن إلغاء “صفقة القرن” والتخلي عنها رسمياً، بل قد يسترشد بها.
ومن البديهي أن الجميع يعلم أن منطقة الشرق الأوسط تزدحم بالعديد من الملفات والقضايا المتشابكة والمعقدة، وأبرزها ملف العلاقات مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، حيث من المتوقع أن تلجأ إدارة بايدن لسياسة أكثر تشدداً وأكثر صرامة مع النظام التركي، وقد لا تسمح له بممارسة سياسته التوسعية دون قيود أو كوابح تحد من جموحه، إلى جانب ملف اليمن، وغيرها من الملفات الأخرى.
في كل الأحوال لن تكون إدارة بايدن إدارة ثالثة لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، كما قال، حيث تغيرت واختلفت التحديات والأولويات، ولكن الحكم يكون من خلال الأفعال..