محاكاة لحرب أمريكية ضد الصين!
هيفاء علي
تم تقدير حجم التجارة الأمريكية في السلع والخدمات مع الصين بنحو 634.8 مليار دولار في عام 2019، بينما بلغت الصادرات 163 مليار دولار والواردات 471.8 مليار دولار. وبلغ العجز التجاري الأمريكي مع الصين 308.8 مليار دولار في عام 2019، وقدرت تجارة الخدمات مع الصين (الصادرات والواردات) بنحو 76.7 مليار دولار في عام 2019. فيما بلغ فائض تجارة الخدمات للولايات المتحدة مع الصين 36.4 مليار دولار في عام 2019.
أمام هذه المعطيات، تروّج الأوساط السياسية الأمريكية لحرب محتملة ضد الصين، وستيف بانون يدعم هذه الحرب، ولا غرابة في موقفه طالما أنه كان مستشار ترامب للشؤون الإستراتيجية، ذلك أن هؤلاء الساسة يستخدمون لغة التخويف المعتادة التي تزعم أن الصين تشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي.
ويكمن الخطر في أن لعبة “من يتحرك أولاً” في المياه الآسيوية قد تشعل حرباً شعواء نتيجة رفض سفينة حربية ما الخروج من طريق أخرى فيحدث التصادم، ومن ثم يقوم أحد الضباط بفتح النار على طاقم السفينة لتلتهب نيران الحرب.
تتم مناقشة هذه الحرب إما من الناحية العاطفية من قبل الحمقى الذين يحرضون على شن حرب عالمية مرة أخرى، والسؤال هو ما ستؤول إليه هذه الحرب؟.
عند بدء الحرب، ستبالغ الولايات المتحدة في تقدير نفسها، هذه هي عقيدة البنتاغون، وسيؤكد دعاة الحرب للأمريكيين أنها ستكون حرباً قصيرة مسألة أيام وليس أسابيع، تماماً مثلما حدث في فيتنام ولاوس وكمبوديا وأفغانستان والعراق وسورية. ولكن مع مرور الأشهر ستحدث العديد من المفاجآت.
خاضت مؤسسة راند، وهي مؤسسة فكرية خاضعة لسيطرة البنتاغون بنسبة 100٪ ، محاكاة الحرب في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وخلصت إلى أن الحرب قد تكون طويلة جداً وتنتهي بهزيمة الولايات المتحدة.
أثناء الحرب: في اليوم الأول، تم إغلاق جميع المصانع الأمريكية في الصين، وستخسر شركة آبل مصانعها، وعائدات هذه المصانع، بينما سيخسر السوق الصيني 1.4 مليار مستهلك، وستغلق المتاجر أبوابها. يبيع صانعو السيارات الأمريكيون عدداً كبيراً من السيارات في الصين، معظمها مصنوع في الصين. بين عشية وضحاها، سيفقدون المصانع والسيارات والعملاء الصينيين.
في غضون أسابيع، سيتم إفراغ رفوف وول مارت وعند التجول في الممرات يمكن قراءة ملصقات “صنع في الصين”. ليس فقط المماسح البلاستيكية، ولكن أيضاً مناشير الجنزير والأدوية والدراجات النارية وأجهزة قياس ضغط الدم. تشتري الولايات المتحدة ما قيمته 472 مليار دولار من السلع عالية ومنخفضة التقنية، والسلع الاستهلاكية، ومكونات التصنيع من الصين كل عام.
بالمقابل، تشتري الصين ما قيمته أكثر من 163 مليار دولار من البضائع الأمريكية كل عام: البترول، وأشباه الموصلات، ومحركات الطائرات، وفول الصويا، والطائرات. وبالطبع، فإن العمال الأمريكيين الذين يُزعم أنهم أنتجوا هذه الأشياء للصين سوف يصبحون فائضاً عن الحاجة. تنتج الصين الغالبية العظمى من المكونات الأرضية النادرة الضرورية في تصنيع المنتجات الإلكترونية، مثل أشباه الموصلات، يتم استخدامها تقريباً في كل ما يتم القيام به في الولايات المتحدة، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر التي تشغل الأنظمة الكهربائية للسيارات، ومن الممكن أن تكون أجهزة الكمبيوتر نفسها مصنوعة في الصين.
وفي حال تم خوض حرب حقيقية ضد الصين، فمن المحتمل أن تقوم الصين بتدمير مصانع أشباه الموصلات في تايوان، وخاصة مصانع TSMC، وكذلك مصانع الإلكترونيات الأخرى. لن يكون هذا صعباً لأن عرض مضيق تايوان لا يتجاوز 100 كيلومتر، وسيكون فقدان هذه الصناعات ضاراً للغاية بالولايات المتحدة، وسيستغرق الأمر سنوات حتى تحل الولايات المتحدة محل هذه القدرة في أراضيها.
ستكون آثار حرب كبرى ضد الصين على الدول الأخرى كارثية. فالصين هي أكبر شريك تجاري لـ Google، و الصين شريك تجاري ضخم للجميع تقريباً ألمانيا واليابان وأستراليا وروسيا وأمريكا الجنوبية ككل، وبالتالي سوف ينهار الاقتصاد العالمي.
إن الولايات المتحدة بالفعل في حالة يرثى لها، مع انخفاض سريع في قيمة العملة، وانهيار الطبقة الوسطى، وإفلاس الشركات بسبب أزمة كورونا، واختفاء الوظائف في الخارج، واضطرابات اجتماعية تؤدي إلى أعمال شغب في جميع أنحاء القارة. فهل يعتقد هؤلاء الساسة أن الأمريكيين سوف يدعمون عن طيب خاطر حرباً غبية لا يمكن فهمها و ستؤدي إلى كساد اقتصادي فوري وعميق ومميت؟.