تحقيقاتصحيفة البعث

إنجاز أطول وثيقة حصر إرث في مدينة حمص!

لطالما شكّل إنجاز المعاملات المتعلّقة بالأحوال المدنية عبئاً ثقيلاً لما يحتاجه من وقتٍ وجهدٍ وإجراءات روتينية لا تخلو من التعقيد في بعض الأحيان، حيث عمدت الجهات المعنية إلى إدخال الأتمتة والحاسوب في عملها لتسهل على المواطن إنهاء معاملاته عن طريق منافذ عدة تخفّف قدر الإمكان التعب وتوفر الوقت، وخاصةً في المناطق التي شهدت عمليات تخريب للمراكز الرسمية فيها، ولكن هذا لا يعني أنه في بعض الأحيان قد يتحمّل المواطن مسؤولية تأخير أو إنجاز معاملةٍ ما بسبب إهماله لها، أو لعدم معرفته لأهمية إنجازها، والذي قد يتطلّب العودة للوراء عشرات السنين، وهذا ما حصل في مدينة حمص التي شهدت إنجاز أطول وثيقة حصر إرث!.

لا يوجد نية
مؤخراً ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً “المختصة بالشأن القانوني” بالحديث عن أطول وثيقة حصر إرث تمّ تنظيمها في مدينة حمص، وعن رغبة منظميها بتقديمها لدخول موسوعة غينيس، وهذا ما نفاه المحامي الخبير غسان الحبّال المنظم للوثيقة، حيث أكد أنها فعلاً تصلح كأرقام قياسية وعدد وفيات، ولكن لا يوجد نيّة والكلام كان عبارة عن مبالغة فقط، موضحاً أن وثيقة حصر الإرث قانونياً هي وثيقة تصدر عن المحكمة المختصة لتحدّد من هم الورثة ومقدار نصيب كل وريث من مجمل التركة، أي ما يتركه المتوفى من مال أو ما يقّوم، مشيراً إلى ضرورة أن يكون لدى موظف النفوس دراية بالورثة ليعطي البيانات اللازمة عنهم، خاصة وأن الإناث عند الزواج ينتقلن إلى خانة الزوج، لذلك يجب أن يلاحق ويتابع الموضوع ليكون لديه آخر تحديث طلاق زواج أو موت، مؤكداً أنه في الآونة الأخيرة وبسبب الحرب زاد الضغط على وثائق حصر الإرث، التي لا يواجه طالبوها أي تعقيدات في حال كان المتوفى حديث الوفاة، لأنها أي الوثيقة تصدر خلال أيام، بينما تتلخص العوائق التي من الممكن أن تواجه المواطن والتي خلفتها الحرب بحالات “المفقودين”، وخاصة مع وجود أعداد هائلة منهم، ومن غير المعروف إذا ما كانوا أحياء أو أمواتاً، إضافة إلى وجود حالات وفيات لأشخاص، ومع أن الوفاة تكون مؤكدة، لكنها لم توثق، ما يجعل الأمر ملحاً لدعوة قضائية قد تأخذ أشهراً لإعلان الوفاة أو تثبيتها، وحالما يتمّ تثبيت الوفاة نتمكن بسهولة من الحصول على وثيقة حصر إرث، فالتركات توزّع على الورثة وتكون بين المتوفى حقيقة أو حكماً “مفقود”، وهذا الحكم يصدر عن القاضي، وبالتالي قد تنتج ملابسات لاحقاً في حال عودة هذا المفقود وهو بالتأكيد موضوع متشعّب، ولكن القانون أعطى حلولاً دقيقة ومحدّدة فيما يخصّ هذا الموضوع.

أطول وثيقة
وبالعودة لموضوعنا الأساسي عن أطول وثيقةِ حصر إرث تمّ إصدارها، يوضح الأستاذ الحبّال: يرجع السبب في طولها إلى أن تاريخ الوفاة تعود لشخص توفي قبل عام الإحصاء، حيث إن إحصاء الأحوال المدنية تمّ عام 1922 وعلى مدار مئة عام لنا أن نتخيّل كم تكاثر من الورثة وكم تواتر من الوفيات، وهذا هو السبب الأساسي لطولها، حيث تناولت الوثيقة ستين وفاة متعاقبة، أما الداعي والمبرر لتنظيم الوثيقة فهي أن حمص القديمة غالباً ما كانت العقارات تسجل فيها للمورث الأول “المالك الأول” أي أثناء التحليل والذي هو عبارة عن عملية مسح العقارات، ومع بداية إنشاء السجل العقاري كان المسح يتمّ بتسجيل اسم المالك فتسجل الملكية باسمه، وهذا حال معظم العقارات الموجودة في حمص القديمة، وهنا دعت الحاجة خاصة أثناء العودة أو إعادة الإعمار أو لداعي البيع من قبل الورثة أصبح هناك لزاماً تنظيم وثيقة حصر الإرث ليتمّ تحديد الورثة ومقدار كل وريث من هذا العقار.

صعوبات
تحدث الحبّال عن الصعوبات التي واجهته في إنجاز الوثيقة التي كلفته بها المحكمة الشرعية في مدينة حمص، حيث كان من الضروري دراسة كل وفاة على حده، وتفحص الوثائق والبيانات التي تخصّ المتوفى واستدراك النقص الموجود ثم وضع مسألة للمتوفى لتوزيعها على الورثة، ومن ثم جمع مسألة المتوفى مع مسائل المتوفين قبله، ما جعلها عملية حسابية مرهقة لنصل في النهاية إلى 288 عملية حسابية فقط للوفاة الأخيرة، ما احتاج تركيزاً كبيراً جداً استغرق ساعات عمل طويلة جداً، لأن أي خلل يتوجّب الإعادة. مضيفاً أنه لم يعد هناك آلة حاسبة تستوعب الخانات لأنني وعند الوصول إلى منتصف الوثيقة كان هناك خانات بأرقام تجاوزت 12 خانة فقمت بتجزئتها وإجراء العملية الحسابية بشكلً يدويّ.

وهنا يؤكد الأستاذ الحبال أنه من الضروري بمكان أن يعي الناس ثقافة تنظيم وثيقة حصر الإرث، وعدم الانتظار لتتعقد المسألة ولتَعاقب الوفيات، ما يسهل الحصول على الوثائق وتقديمها للاستخدام من دون تشعب أو تعقيد، لأن تنظيم وثيقة حصر الإرث ضروري كدفتر العائلة الذي يحدّد الورثة ونصيبهم من مجمل التركات، مضيفاً أن هناك فهماً مغلوطاً من قبل البعض الذين يعتقدون أنهم بمجرد قيامهم بوثيقة حصر الإرث تنتقل الملكية إلى الورثة وهذا غير صحيح، فهي فقط إحدى الأوراق الضرورية واللازمة، ضرورية في كل المعاملات التي سيقوم بها المواطن لاحقاً، سواء في المواصلات أو العقار أو غيرها، والبعض قد يتساءل: أليس من الأجدى أن يقوم المالك بتوزيع ما لديه من أملاك قبل وفاته على الورثة، وعدم الدخول بكل التعقيدات التي من الممكن أن تحصل؟. وهنا علينا أن نؤكد أن هذا موضوع لا يمكن أن نعطي فيه رأياً أو حكماً عاماً لأن كل مسألة منفصلة ولها خصوصيتها وحكمها، فعلى سبيل المثال إذا كانت هناك أملاك متعدّدة يمكن أن يُوزع قسماً منها على الأولاد ويترك المالك لنفسه قسماً لأنه من الضروري جداً أن يترك الشخص لنفسه شيئاً ما كالمنزل الذي يسكنه، وخاصةً مع إطلاعنا خلال عملنا على عشرات القضايا لأشخاص سجلوا لأولادهم أملاكاً معينة ليقوم الأولاد بعدها بإهانة الأب أو ظلمه، إضافة إلى أن موضوع الموت لا يمكن التنبؤ به، فقد يتوفى أحد الأولاد قبل الأب وتعود الملكية له، وهنا تتعقد الأمور من جديد، مع الإشارة هنا إلى أن هذا ليس حصر إرث، لأنه بالقانون لا إرث قبل الوفاة، ولكن هنا ممكن أن يهب الشخص أو يوزع قسماً من أملاكه بيعاً لمن يستحق من ورثته أو من يشاء.
أمر ضروري
إذن إنجاز ومتابعة الأمور المتعلقة بالأحوال المدنية وكل ما له علاقة بالملكية الفردية هو أمر ضروري جداً، وخاصةً مع ما سبّبته الحرب من نزوح لأعدادٍ كبيرة من المواطنين، وخوف قسم كبير منهم على أملاكه من الضياع وفقدان حقه بها وملكيته لها، ما يعني أننا مقبلون على فترةٍ تتطلّب جهوداً كبيرة وجبارة وإمكانيات ضخمة لإعادة الأمور إلى نصابها قدر الإمكان.

لينا عدرة