دراساتصحيفة البعث

خطر التجارة على البيئة

إعداد: عناية ناصر

يتزايد الضغط في جميع أنحاء العالم لتطبيق تعريفات جزائية على الواردات من المنتفعين من البيئة بالمجان، لكن مثل هذه السياسات تشكّل تهديداً للتجارة، ومن غير المرجح أن تساعد البيئة. لحسن الحظ، هناك بدائل سياسيّة أفضل للتعامل مع الروابط التجارية والبيئية، بما في ذلك معالجة دعم الوقود الأحفوري.

يدعو الاقتصاديون البارزون كـ ويليام نوردهاوس وتوماس بيكيتي إلى فرض ضرائب حدودية على الكربون والواردات من البلدان الملوثة. ومثل هذه الدعوات نشأت من الخوف من أن الرسوم المفروضة على الإنتاج كثيف الكربون تدفع الإنتاج ببساطة إلى البلدان التي لا تخضع للضرائب. قد يطالب أولئك الذين يفرضون مثل هذه الضرائب الحدودية أيضاً بالشرعية بموجب المادة (20) من الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الغات) التي تسمح بالتدابير اللازمة لحماية حياة الإنسان أو الحيوان أو النبات. ومع ذلك، لا يوجد دليل على نمو ملاذات التلوث على نطاق واسع، فقد أفادت وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول عام 2019، استقرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2)  العالمية المتعلقة بالطاقة، مع نمو قويّ في مصادر الطاقة المتجدّدة في الصين والهند، وقد حدّدت كلّ من الصين واليابان وكوريا الجنوبية مؤخراً مواعيد مستهدفة لصافي انبعاثات الكربون.

تظهر العقوبات التجارية ضرورة تمويل التنمية الاقتصادية اللازمة للانتقال إلى طاقة أنظف. ولكن الآن، لمعالجة الاضطراب الاقتصادي الناجم من COVID-19 وما يرتبط به من تسريع الرقمنة، أصبحت تعديلات حدود الكربون -الضرائب المفروضة على الواردات من البلدان التي لا توجد فيها آليات تسعير الكربون- جزءاً لا يتجزأ من السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي، كما أعرب الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عن دعمه لها.

قد تتخذ هذه العقوبات شكل إجراء أحادي الجانب من قبل أوروبا والولايات المتحدة، أو يتمّ تطبيقها من خلال اتفاقيات التجارة التفضيلية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأماكن أخرى. تحتوي اتفاقية الاتحاد الأوروبي واليابان، على سبيل المثال، على الالتزامات التي يمكن أن يلجأ إليها الاتحاد الأوروبي لتعزيز نهج أكثر عدوانية تجاه التجارة والبيئة، بما في ذلك أن تتعاون الأطراف لتعزيز مساهمة التجارة في الانتقال إلى انبعاثات منخفضة للاحتباس الحراري (المادة 16.4)، وثمّة مخاطر مماثلة متأصلة في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين أستراليا والاتحاد الأوروبي.

بالنسبة للولايات المتحدة، أوضح جو بايدن أن أي اعتبار لإعادة مشاركة الولايات المتحدة في الشراكة عبر المحيط الهادئ سيعتمد على التزامات أقوى يتمّ التعهد بها بشأن البيئة والعمل، لذا يمكن أن تنطوي مثل هذه الالتزامات على عقوبات تجارية. لهذا يجب مناهضة الدعوة إلى هذه الإجراءات في كل فرصة، ولكن لا يكفي مجرد قول “لا” للعقوبات التجارية.

لحسن الحظ، هناك تدابير أخرى ذات صلة بالتجارة يمكن اتخاذها لخدمة غايات بيئية تتضمن، بشكل واضح، تقليل التشوهات التي تتعرّض لها التجارة بدلاً من زيادتها. كان اثنان من هذه التدابير على جدول أعمال منظمة التجارة العالمية (WTO) لسنوات، ولكن ثبت أنه من الصعب المضي قدماً للحدّ من إعانات الصيد والمفاوضات لتحرير التجارة في السلع والخدمات البيئية. وبينما ينبغي الحفاظ على هذا العمل والتعجيل به -في إطار منظمة التجارة العالمية التي يؤمل أن يتمّ تنشيطها- فإن إجراءين آخرين قد يؤديان إلى نتائج فورية أكثر.

الأول: العمل مع منظمة التجارة العالمية لخفض دعم الوقود الأحفوري، لأن إلغاء دعم الوقود الأحفوري، وفقاً لصندوق النقد الدولي، من شأنه أن يقلّل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنسبة تصل إلى 23 في المائة. لكن بعض نزاعات منظمة التجارة العالمية استهدفت الدعم الحكومي للطاقة المتجدّدة، مما أعطى أسساً لاستهداف السياسات الداعمة للطاقة القائمة على الوقود الأحفوري. لذلك هناك تحديات تحتاج إلى معالجة، إذ يجب إثبات الصلة بين الإعانات المحلية والتجارة، ويمكن القيام بذلك عن طريق اللجوء إلى اتفاقية مكافحة الإغراق لتحديد أي الصادرات المدعومة بالطاقة تشكّل تصديراً بقيمة أقل من القيمة العادية، وبالتالي فهي عرضة للانتقام.

ثانياً: لتجنّب الاضطراب الاجتماعي في البلدان النامية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، يجب تنفيذ سياسات التخفيف من المساعدة الإنمائية بتنسيق من هيئة مثل مجموعة العشرين، لأن التخفيضات العالمية في دعم الوقود الأحفوري يمكن أن تحفّز الإصلاح في أستراليا، على سبيل المثال، بعد أن زاد دعم استهلاك الوقود الأحفوري بشكل كبير على مدى العقد الماضي، حيث تمّ التخلي عن الإيرادات بما يعادل أكثر من 40 في المائة من الضرائب المتعلقة بالطاقة، وهي حصة عالية وفقاً لمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

بالنظر إلى المستقبل، مع انتقال البلدان إلى سياسات “الطاقة الذكية” التي تعتمد على الشبكات الرقمية، ستصبح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعلوم البيانات خدمة ذات قيمة متزايدة قابلة للتداول. وهنا لابد من أن تلعب التجارة دوراً مباشراً في السعي إلى تحقيق الأهداف البيئية كميسّر وليس كسلاح يمكن أن يفيد جميع البلدان المعنية.