دراساتصحيفة البعث

الاتحاد الأوروبي.. آمال في بايدن لتحسين العلاقات

د. معن منيف سليمان

يعلّق الحلفاء الأوروبيون آمالاً كبيرة على الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من أجل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، وإصلاح ما أفسده الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بين الطرفين. فعقب فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تنفست غالبية دول الاتحاد الأوروبي الصعداء وشعرت بالارتياح والانفراج ورحبت بفوزه، معلّلة النفس في أن تشهد المرحلة القادمة علاقات دبلوماسية وتعاونية إيجابية في الكثير من القضايا والملفات المشتركة بين الجانبين.

فخلال ولاية ترامب تراجعت العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين إلى أدنى مستويات عرفها تاريخ العلاقات بين الجانبين، وذلك بسبب سياساته العدائية تجاه الاتحاد الأوروبي ودوله، التي عدّها أنها تمثّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي. فضلاً عن رؤيته للاتحاد الأوروبي على أنه تكتل أقيم للاستفادة من الولايات المتحدة، واصفاً إياه أنه أسوأ من الصين. وكان من المحتمل أن ينسحب ترامب من حلف الناتو في ولايته الثانية، كما انسحب من اتفاقية باريس الخاصة بتغير المناخ، ومنظمة الصحة العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، تراكمت ملفات كثيرة عكّرت صفو هذه العلاقة، وفي مقدمتها الملف الصيني، حيث سجّلت تسريبات صحفية، أن ترامب صرخ وأغلق الهاتف في وجه جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، بسبب غضب الرئيس الأمريكي من قرار لندن منح رخصة تجهيز البنية التحتية للجيل الخامس من الإنترنت، للشركة الصينية هواوي، على الرغم من كل التحذيرات الأمريكية من هذا القرار.

الخلاف نفسه ينسحب على الملف الإيراني، حيث قرّر الاتحاد الأوروبي عدم الانسياق وراء السياسة الأمريكية، القائمة على تشديد العقوبات، على الرغم من كل المحاولات الأمريكية لثني بعض دول الاتحاد عن موقفها، فإنها حافظت على موقف موحد.

وفي هذا الصدد قالت سودها ديفيد ويلب، من مركز صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، إن “العلاقة عبر الأطلسي باتت فعلياً في غرفة الإنعاش”. وأضافت: “الأوروبيون يعتقدون أن هناك العديد من المسائل الداخلية التي تفكك الولايات المتحدة، وبالتالي كيف يمكنها أن تكون شريكاً جيداً في وقت كهذا؟”، وأوضحت أن جو بايدن بحاجة لإعادة إحياء العلاقات مع الحلفاء، مؤكّدة أن ترامب “أحدث هزّة”.

وعد بايدن بالعودة إلى نظام التعددية، إلى جانب العودة إلى اتفاقية المناخ، وإلغاء انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن انتهاج سياسة مختلفة عن سياسة ترامب تجاه الملف النووي الإيراني والاقتراب من أوروبا، فيما سيحرص المسؤولون الأوروبيون على التعاون مع إدارة بايدن في عدّة مجالات. منها التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة، والاستجابة العالمية لتهديدات فيروس كورونا، وإصلاح منظمة الصحة العالمية، وكذلك قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقضايا التكنولوجيا مثل خصوصية البيانات والضرائب الرقمية. وإلغاء معظم ما فعله ترامب ضمن شعار “أمريكا أولاً”، الذي كانت ترجمته العملية “أمريكا وحيدة” كما قال بايدن.

يتطلع الأوروبيون إلى عودة العلاقات مع الولايات المتحدة دبلوماسياً، بناءً على تفاهمات مرنة، والبعد عن المشاحنات والعداوة التي اتسمت بها العلاقات في عهد إدارة ترامب، سواء مع الاتحاد الأوروبي كمنظمة، أو مع ألمانيا والمستشارة الألمانية على نحو خاص، التي ظهرت في خطاباته الهجومية المستمرة.

وفيما يرتبط بالعلاقات الاقتصادية بين الجانبين، فإن الأوروبيين يرون في الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري، ويأملون في تهدئة العلاقات التجارية معها، وينتظرون إلغاء الإدارة الأمريكية الجديدة للتعريفات الأحادية التي فرضها ترامب على تجارة الصلب والألمنيوم، وتعريفات السيارات. فالاتحاد الأوروبي يأمل إيجاد حل تفاوضي، وإلغاء التعريفات الأمريكية المفروضة على منتجات أوروبية بقيمة 7.5 مليار دولار.  وكذلك أن تعاود الولايات المتحدة التعاون مع الاتحاد الأوروبي واليابان في إصلاح منظمة التجارة العالمية، كما سيساعد تحسن العلاقات الثنائية بين الجانبين على تجاوز الأفق الاقتصادي الصعب الذي سيواجهانه في الأشهر المقبلة نتيجة تأثيرات وباء كورونا السلبية.

ومن الجانب الأمريكي فقد أكد توني بلينكين، كبير مستشاري السياسة الخارجية لبايدن، عزم الإدارة الجديدة اتخاذ خطوات ملموسة نحو إنهاء ما أسماه “الحرب التجارية المصطنعة” بين ترامب والاتحاد الأوروبي.

ويأمل الأوروبيون بأن تكون العلاقات عبر الأطلسي في عهد بايدن أكثر هدوءاً وودية وتقليدية مما كانت عليه خلال عهد ترامب، والذي أوضح ازدرائه لمؤسسات ما بعد الحرب الأساسية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ووصفه بأنه “عفا عليه الزمن”. ويتوقع الجانب الأوروبي أن يبادر الرئيس بايدن إلى طمأنة حلفائه الأوروبيين في الناتو، الذي يضم 30 عضواً، فيما يتعلّق بالتزام واشنطن الدائم بالفقرة الخامسة للحلف، حول الدفاع المشترك بين الأعضاء، وإعادة دعم التكامل الأوروبي، ما يجنب رئاسة بايدن التهديد الوجودي للحلف، ويعتقدون أنه من غير المرجح أن ينتقد الرئيس الأمريكي الجديد قادة مثل ميركل علناً بشأن المبلغ الذي ينفقونه على الدفاع الوطني، كما فعل ترامب بشكل متواصل. وهذا بدوره سيدفع ألمانيا والحلفاء الأوروبيين لبذل كل الجهد من أجل بقاء الانخراط الأمريكي في الدفاع عن القارة. وقد وضح بايدن موقفه تجاه حلف الناتو والحلفاء الأوروبيين عندما صرّح قائلاً:” أول شيء سأفعله، وأنا لا أمزح، إذا تم انتخابي، فسوف أجري اتصالات برؤساء الدول الأعضاء بحلف الناتو وأقول لهم إن أمريكا عادت، ويمكنهم الاعتماد علينا”.

لكن العديد من المحلّلين يقولون إن تقاسم الأعباء يحتاج إلى إعادة ضبط، ومن المرجّح أن يضغط بايدن – الذي دعا إلى إصلاحات الناتو في خطاب ألقاه العام الماضي أمام مؤتمر ميونيخ للأمن – على حلفائه الأوروبيين، ولكن بطريقة أكثر تصالحيه.

يبقى القول أنه حتى لو شعر الجانب الأوروبي بالبهجة والارتياح من خلال الاتصال السريع مع بايدن، فإن القادة الأوروبيين يتوقعون عموماً أن ينتقل من حيث توقفت إدارة أوباما، ويمضي قدماً في محور أمريكي استراتيجي تجاه آسيا.

وفي هذا الصدد كتب نائب المستشار الألماني ووزير المالية، أولاف شولتز، في تعليق في مجلة دير شبيغل قال فيه:” يجب ألا نعيش نحن الأوروبيين تحت أية أوهام؛ سيواصل جو بايدن التركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي كانت تبدأ في عهد الرئيس باراك أوباما”.

إن أعظم شيء كسبته دول الاتحاد الأوروبي لا يكمن في نجاح بايدن على وجه الخصوص، وإنما يتعلّق برحيل ترامب، بسياسته العدائية مع الاتحاد، ومحاولة فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة تحت قيادة رئيس سياسي أكثر دبلوماسية بعد أربع سنوات من الاضطرابات والتقلبات المزاجية للرئيس ترامب.