أمريكا.. آلة حرب بزي دولة
سمر سامي السمارة
قبل وفاته هاجم السناتور الجمهوري جون ماكين روسيا، واصفاً إياها بـ “محطة وقود عملاقة متنكرة بزي دولة”. وخلال الحملات الانتخابية الأخيرة استشهد المرشح الرئاسي وزميل ماكين، السناتور الجمهوري ميت رومني، بوصف ماكين الازدرائي لروسيا.
هذا الاستشهاد له دلالات كبيرة أهمها أن “روسوفوبيا” تحولت إلى هستيرياً داخل الطبقة السياسية الأمريكية، وليس آخرها اتهام وسائل الإعلام البارزة روسيا وتحميلها مسؤولية الهجوم الإلكتروني الضخم المزعوم قبل أيام.
بالنسبة لأي قارئ موضوعي، فإن مثل هذه التقارير، أو بدقة أكبر مثل هذه “الدعاية”، تبدو سخيفة للغاية، فلا يوجد دليل يدعم المزاعم الكاذبة التي تدعي القرصنة الروسية، لأن هذه “القصة” – كما هو الحال في “القصص” الأخرى القديمة، التي لا حصر لها، حول المخالفات الروسية المزعومة، والتدخل في الانتخابات و صائدي الجوائز الذين يقتلون القوات الأمريكية في أفغانستان – تعتمد بشكل كبير على مصادر مجهولة، وإساءات مبطنة وصحفيين سذج.
ما يعني إنها عملية نفسية يديرها المجتمع الاستخباراتي العسكري الأمريكي، وينشرها المأجورون في صحيفة نيويورك تايمز وغيرها من المنافذ الرئيسية الخاضعة لنفوذ وكالة الاستخبارات المركزية، حيث يتهم الجمهوريون والديمقراطيون روسيا بارتكاب عمل حرب من خلال الهجوم السيبراني المزعوم، ومن ثم تتعالى أصواتهم من أجل “انتقام إلكتروني” ضد روسيا.
كل ذلك يعيد إلى ذاكرتنا، ما كشفه المخبر إدوارد سنودن عن “فولت 7” أو سلسلة الوثائق التي تكشف بأن لدى وكالتي الاستخبارات المركزية والأمن القومي أسلحة رقمية لتنفيذ حرب إلكترونية يمكن أن تُنسب زوراً للآخرين. إذاً من المنطقي أن يكون هجوم الاختراق الأخير الذي تتهم فيه الولايات المتحدة روسيا بالوقوف وراءه- هو في الواقع- هجوماً رقمياً مزيفاً تقوم به وكالات الاستخبارات الأمريكية ويتم تضخيمه بواسطة وسائل الإعلام التابعة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أهمية توقيت إطلاق هذه الإشاعة، فكما تم تأكيد انتخاب جو بايدن رسمياً كرئيس مؤخراً، كذلك هي الضجة الإعلامية الضخمة حول “عمل حربي” روسي مفترض، خاصةً أن بايدن أشار إلى أنه سيتخذ الإجراءات المناسبة لمواجهة روسيا، كما لو أنه كان يخطط للمواجهة مسبقاً. فقد قال:” إن الدفاع الجيد لا يكفي، نحن بحاجة إلى تعطيل وردع خصومنا عن شن هجمات إلكترونية كبيرة في المقام الأول.. سنقوم بذلك، من بين أمور أخرى، من خلال فرض تكاليف باهظة على المسؤولين عن مثل هذه الهجمات الضارة، بالتنسيق مع حلفائنا وشركائنا، يجب أن يعلم خصومنا أنني، كرئيس، لن أقف مكتوف الأيدي في مواجهة الهجمات الإلكترونية على أمتنا”.
من الواضح أن التلاعب الذي يجري هنا شفاف بقدر ما هو وقح، فالدولة العميقة للمجمع العسكري الصناعي ووكالاتها الإستخباراتية تتوق لسياسة أكثر عدوانية تجاه روسيا والصين، وهو أمر بات طبيعياً، فهيمنة الولايات المتحدة وأرباح شركاتها تعتمدان على هذه العدوانية، ويبدو أن روسيا تحظى بالأولوية باعتبارها العدو الرئيسي.
مما يعني أن بايدن يقوم بإعداد السيناريو لعدوان متجدد، الأمر الذي يعيدنا إلى تصوير ماكين ورومني لروسيا على أنها “محطة وقود متنكرة بزي دولة”. إنهم يشيرون بالطبع إلى الثروة الطبيعية الهائلة من النفط والغاز لروسيا. ومما لا شك فيه، أن المخططين الإمبرياليين الأمريكيين يحبون الحصول على هذه الثروة.
لكن من الجهل بشكل مثير للشفقة، أن يقوم هؤلاء السياسيون الأمريكيون بتشويه صورة روسيا، فقد قدم هذا البلد العريق عبر تاريخه الحافل، بعضاً من أعظم المواهب الثقافية في العالم، من تولستوي إلى تشايكوفسكي، ومن دوستويفسكي إلى مندليف، والعديد من الشخصيات البارزة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والفن والفلسفة. كما أنه حرر أوروبا من طغيان ألمانيا النازية، التي مول الأمريكيون وغيرهم من الرأسماليين الغربيين صعودها خلال ثلاثينيات القرن الماضي.
على النقيض من ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة، خلال قرنين من وجودها، سوى مساهمات ثقافية متواضعة، وكانت في معظم الأحيان مدمرة للثقافة حتى أصبحت الولايات المتحدة بسبب حروب الإبادة الجماعية ضد الأمريكيين الأصليين، قوة إمبريالية عنيدة تشن حروباً شبه مستمرة في كل ركن من أركان المعمورة، وتودي بحياة عشرات الملايين.
وللتذكير تنفق الولايات المتحدة كل عام 740 مليار دولار على جهازها الحربي، وهو ما يزيد على 11 ضعف من ميزانية الدفاع الروسية، كما تمتلك 800 قاعدة عسكرية حول العالم في أكثر من 70 دولة. إنها تحتل بصورة غير شرعية دولاً، و تقصف وتقتل المدنيين. في الحقيقة، الولايات المتحدة هي آلة الحرب التي تتنكر في زي بلد من خلال تعرض طبقتها السياسية ووسائل إعلامها لغسيل دماغ بشكل كامل.