دراساتصحيفة البعث

فرصة ترامب الأخيرة للإطاحة بالدولة العميقة

هيفاء علي

يقول أحد المحللين الأمريكيين الملمين حق الإلمام بتاريخ الحزبين الجمهوري والديمقراطي: علمت دروس العلوم السياسية أن الجمهوريين محافظون، ويعارضون النقابات وأجور المعيشة، ومستعدون دائماً لشن حرب على أي شخص بحجة “الأمن القومي”، على الرغم من أنهم يستمتعون بقتل الأجانب في حروبهم، وخاصة من غير البيض.

بالمقابل، يقال إن الديمقراطيين ليبراليون، وربما “تقدميون”، وأنهم مستعدون لحماية العمال في مكان العمل، ودعم النقابات، واستخدام الحوار في الدبلوماسية بدل الحرب، وهنا يكفي توجيه السؤال إلى بيرني ساندرز الذي صوّت ضد حرب العراق، ومع ذلك صوت لصالح تمويلها بمجرد بدئها. كل الحروب الأخرى قبلها وسلم بها من يسمون بـ “الاشتراكيين”.

وها هو “رئيس السلام” يصل: تولى باراك أوباما زمام حربي بوش الجمهوري، أفغانستان والعراق، وعمل على إطالة أمدهما، بل وأضاف خمساً أخرى إليها: قصف ليبيا وسورية واليمن والصومال وباكستان. وكان يجلس كل ثلاثاء إلى جانب مدير وكالة المخابرات المركزية، جون برينان، ويضغط على الأزرار لمعرفة الطائرة المسيرة التي ستشن الغارات في ذلك اليوم.. كافة هذه الحروب قامت بذرائع إنسانية، واتخذت “إجراءات إنسانية” تهدف إلى مساعدة مجهول في الحصول على حقوق الإنسان، وحقيقة أنها جميعها غير دستورية ولم تحرك في نفس أوباما الخوف، الذي يزعم أنه مدافع عن الدستور.

وعلى الرغم من كل شيء، يتابع المحلل بقول إن الديمقراطيين هم أتباع الديمقراطية البرجوازية، وقد يجرؤ بعضهم على تسميتها الديمقراطية الاجتماعية. يزعم البعض أن ترامب أظهر نفسه فاشياً جديداً مع مواقف عنصرية قوية، ما يعني أن الخبراء قد يجدون صعوبة في شرح أن الديمقراطيين، أثناء وجود ترامب في السلطة، أرادوا شن حرب على روسيا، تماماً مثلما يريد خصوم ترامب والديمقراطيون تطويق الصين والتهديد بشن حرب عليها، لذلك هناك شيء مشترك بينهم.

عندما كشفت وثائق ويكيليكس عن جرائم الحرب في ظل نظام أوباما، أرادت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون القضاء على أسانج لكشفه عن اتصالاتها بشأن تزوير الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لصالحها. لذلك جلست في حجرة مدير الاستخبارات المركزية برينان وقاما بحياكة قصة “روسيا غيت” عندها هتف ترامب: “أنا أحب ويكيليكس”.

أجبرت اللجنة الوطنية الديمقراطية المدعومة من مدمني وصناع الحرب في البنتاغون، ووكالة المخابرات المركزية وأصدقائهم المثيرين في عالم الإعلام المزيف، ترامب على أن يكون صارماً للغاية في الحرب. لقد شن بعض الضربات والتفجيرات بطائرات مسيرة هنا وهناك أثناء سعيه لسحب الولايات المتحدة من العديد من حروب بوش وأوباما.

عادة ما يقوم رؤساء فترة “البطة العرجاء” بالعفو عن بعض السجناء، وخاصة أولئك الذين يشعرون أنهم قريبون منهم أو الذين قدموا لهم خدمة على شاكلة مايكل فلين. تحدث مستشار ترامب للأمن القومي مع الروس لمدة ثلاثة أسابيع، فاعتبر الديموقراطيون هذا الأمر بمثابة خيانة. ربما لأنهم لا يعرفون أن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع روسيا بدليل أنهم أجابوا: لا بد أن فلين كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي.

يتذكر مايك بومبيو، وهو يضحك مع جمهوره في جامعة تكساس إيه آند إم، في 15 نيسان 2019: “عندما كنت طالباً عسكرياً [ويست بوينت] كان شعارنا هو أنك لن تكذب، ولن تغش، ولن تسرق، ولن تتسامح مع من يفعلون ذلك. وعندما كنت مدير وكالة المخابرات المركزية، كذبنا وخدعنا وسرقنا”.

تصف إدارة ترامب المحكمة الجنائية الدولية بأنها محكمة عميلة، وترفض تقديم أي جندي أمريكي إلى المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان. ولن يحصل أي من محققي أو قضاة المحكمة على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة، كما ستتم مصادرة أي ممتلكات أو حسابات بنكية يمتلكونها في الولايات المتحدة.

إذا كان هناك شيء اسمه “محكمة الكنغر”، فهي محاكمة تسليم جوليان أسانج في لندن، حيث كان القاضي الأول الذي جلس في الحكم بصدد تسليمه إلى الولايات المتحدة بسبب انتهاكات مزعومة لقانون التجسس الخاص به، كما كشفت تسريبات ويكيليكس. وحصل رئيس القضاة إيما أربوثنوت وزوجها جيمس أربوثنوت على أموال من شركتين كشفهما موقع ويكيليكس. خلال جلسات الاستماع في آب وأيلول، بشأن تسليم المجرمين، “استقالت” أربوثنوت لتصبح مشرفاً على قاضي التحقيق الجديد، فانيسا بارايتسر. وخلال ثلاثة أسابيع من جلسات الاستماع، نظرت باريتسر إلى جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها لقراءة الأحكام التي كتبتها قبل أن يدلي محامو الدفاع بقضيتهم أو يدلي الشهود بشهاداتهم.

دعت تولسي غابارد، المرشحة الديمقراطية الوحيدة للرئاسة في عام 2020، وهي ليست من صقور الحرب، ترامب لإظهار حسن النية، عندما غردت مخاطبة ترامب: “بما أنك تغفر للناس، يرجى التفكير في مسامحة أولئك الذين قدموا تضحيات شخصية كبيرة وكشفوا خداع وإجرام أولئك الموجودين في الدولة العميقة”.  وطالبت بإسقاط التهم عن أسانج وسنودن والعفو عنهما.

إذا فعل ترامب الشيء المشرف لوقف اضطهاد جوليان أسانج، فسيكون ذلك بمثابة ضربة موجعة للدولة العميقة ومعها أوباما وكلينتون. ألم يكن من المفترض أن يكون ترامب هو المرشح المناهض للدولة العميقة؟ ها هي فرصته لإثبات ذلك.