امرأة مُعنفة.. قوانين قاصرة ومجتمع “هش”!
لا شك أن المرأة السورية شريك أساسي في المجتمع غير قابل للكسر، ورغم كل الظروف الصعبة التي عانت منها بقيت تقاوم لأنها تعلم علم اليقين أن مقاومتها وقدرتها على التحمل هي الكفيلة بعدم انهيار المجتمع، ولا شك أيضاً أن الحرب تركت ندوباً وجروحاً من الصعب تجميلها في روح كل سيدة سورية خاصةً تلك التي يُمارس عليها التعنيف تحت أي مسمى كان، وهنا، لا بدَّ من إعادة النظر بالكثير من القوانين وسنّ أقسى العقوبات على كل من يمارس العنف على المرأة، لأن صحة وتماسك ونهضة أي مجتمع لن تكون إلا بقوة المرأة وحريتها.
القضاء على العنف لا يحتاج لمناسبة!
الأديبة والناشطة في مناهضة العنف ضد المرأة وعضو اللجنة الدستورية ميس كريدي تحدثت بكثيرٍ من الوضوح والصراحة عن واقع المرأة اليوم وعن الدور المنوط بها وعن مسؤولية المجتمع تجاهها من أجل القضاء على كل أشكال العنف الممارس ضدها، قائلةً إن القضاء على العنف ضد المرأة لا يحتاج لمناسبات أو لتخصيص وقت معين له، وإنما يجب أن يكون عملا مستداما لأنه آلية من آليات تطوير المجتمع وترقيتها، مضيفةً أن هناك إشكالية عالمية لأن العالم بمجمله ينحو للعنف بسبب الحروب والوضع الاقتصادي!
أما فيما يخص المرأة، فالمرأة لديها عدد من الإشكاليات فالاستثمار بتراكم التقاليد في المنطقة المشرقية عموماً هو الإشكالية الرئيسية قبل الإشكالية الدينية، لأننا في منطقتنا نلاحظ وجود عدة أديان ومذاهب وتباينات عديدة إلا أن الشكل العام للتعامل مع المرأة متطابق، والاختلاف فقط في تحضّر العلاقة معها من عدمه، أو ببنية الشخص نفسه، أو لنقل مجموعة الأشخاص، وليس بالبنية الفكرية للمنطقة، فالعامل الأساسي لاضطهاد المرأة هو عامل التقاليد، لأنها مشتركة فالجميع يشترك بالتقاليد المشرقية في المنطقة، وبطريقة تقييم المرأة.
القوة الذكورية!
وتابعت كريدي إذا رجعنا بالموضوع لجذره التاريخي فسنلحظ أن اضطهاد المرأة عموماً تولد من القوة الذكورية التي نشأت بفعل الحرب،لأنه بوجود الحروب تتخشن المجتمعات وتتصلب علاقتها ببعضها، إضافة إلى أن المرأة في مجتمعاتنا لا تمتلك تلك الإرادة الجماعية للثورة على تلك المفاهيم! فالناشطات القائدات في هذا المجال غالباً غير قريبات من النساء، وعلى العكس هن بحالة متطرفة عن مجتمعاتهن ولسن في وارد القبول المجتمعي.
أثر الحرب
ترى السيدة كريدي أن الحرب أعطت المرأة فرصة للخلاص من هذه الحالة لأنها فرضت واقعا اقتصاديا أجبر عددا من السيدات، لم يكن بالإمكان نزولهن إلى سوق العمل، على العمل، مضيفةً: القوامة في الإسلام مرتبطة في الإنفاق، لذلك عندما تصبح المرأة قادرة على الإنفاق تصبح قوّامة على أسرتها، وبالتالي كلما استقلت اقتصادياً تتخلص من هذا الضغط، واليوم نلاحظ أنه رغم وجود تشريعات قد تحد من قدرة المرأة – كالطلاق مثلاً – إلا أن حالات الطلاق تزداد في هذه الفترة، لأن الشكل الأساسي هو الاضطهاد الاقتصادي فعندما تدخل المرأة سوق العمل تتخلص من أهم ضاغط عليها! ولكن من دون أن نغفل أن منعكسات الحرب على كامل المجتمع العنفي مؤداه ليس جيدا، وبالتالي نرى اليوم طفلا يعمل ويتعرض للعنف، وامرأة تعمل في ظرف عمل قاس وليس لأنها امرأة وإنما لأن ظروف العمل في البيئات التي هشّمت الحروب بنيانها العائلي والفكري والثقافي والمجتمعي أثرها عام.
التعليم والتنوير
الحل للقضاء على العنف ضد المرأة من وجهة نظر كريدي هو التنوير والتعليم وليس التنظير.. أن تتعلم المرأة وتُحصِل حقوقها وتُؤمن لها فرص عمل كريمة وتُحمى بالقانون، وبالتالي عندما يكون هناك نساء جاهزات لأن يكنَ قدوة ليس بالتنظير وإنما بالانخراط بمشاكل المجتمع سنحرز تقدماً ملحوظاً، مضيفةً: لا بد أن نذكر أن النقلات النوعية في تطوير التشريع مؤخراً جيدة جداً، خاصةً وأننا نمر بظرف استثنائي صعب وحالة الارتباكية الناجمة عن الحرب شكلت عائقاً لتطور الُبنى التشريعية، لذلك علينا أن نقتنع حتى ولو كانت هذه النقلات قد لا تُرضي الجموح عند النساء للحريات المطلقة، ولكن يبقى التطور خطوة بخطوة أفضل خاصةً وأن الحرب أتت وأحدثت فرملة كبيرة في مسألة التطور.
هل حمى القانون المرأة؟
المحامية نور محمد شرف تحدثت عن الثغرات الموجودة في بعض المواد والتي لم تحقق الحماية المرجوة للمرأة مضيفةً أنه كان هناك اتفاق بين عددٍ من المحاميات على أن يجتمعن مع لجنة المرأة المُعطلة بالنقابة للنقاش عن سلبيات تطبيق بعض المواد التي عُدلت، ولكنها لا تزال تحتاج لتغيير، موضحةً: في مجتمعنا الكثير من السيدات المتعلمات اللواتي لا يستهان بهن و المرأة في المجتمع السوري تمكنت من تحقيق نجاحات كثيرة وهناك أسماء كثيرة لسيدات بمراكز هامة جداً ، ولكن رغم ذلك ليس لديهن أي محاولات لتحسين واقع المرأة.
خوف وتستر!
وذكرت شرف قصة لسيدة تعرضت للتعنيف من قبل زوجها وقدمت شكوى ضده إلا أنها تراجعت عن موقفها لأنها لا تريد أن “تُدمِر عائلتها” – على حدِّ تعبيرها – على أمل أن تتحسن أخلاق زوجها! وتؤكد نور أن هناك مئات القصص لسيدات معنفات ولكن كل ما هو مُحيط بهن يمنعهن من الحديث كتلك السيدة الشابة التي تعرضت لضربٍ مبرحٍ خلال أكثر من سنتين على يد زوجها الذي هو بالأساس ممنوع من الزواج بسبب مرضه إلا أن أهله قاموا بتزويجه !وعلى الرغم من عدم قيامه بواجباته الزوجية تجاه زوجته إلاّ أنه كان لا يتوانى عن ضربها وإهانتها، وطبعاً أهل الزوجة كانوا لا يجرؤون على طلب الطلاق لابنتهم خوفاً من نظرة المجتمع.
خياران أحلاهما مُرٌّ
تضيف المحامية شرف: النقطة المهمة التي تعتبر كارثة في القانون السوري هي تلك المتعلقة بقانون الحضانة الذي ألغى ترتيب الجدة أم الأم حيث كانت الحضانة للجدة أم الأم في حال زواج الزوجة، ولكن ما حصل اليوم أن الحضانة بعد أن تتزوج الأم تنتقل مباشرةً للأب، وهنا على السيدة أن تختار إما الأمومة أو الزواج، وأن تترك أطفالها للأب الذي سيتزوج من سيدة أخرى لا يمكن تنبؤ طريقة معاملتها للأطفال، خاصة وأن الأب سيكون في معظم وقته خارج البيت، ولقد شهدنا عشرات القصص عن جرائم تقوم بها زوجة الأب “الخالة” أودت بحياة الأطفال، لذلك وحتى لو تزوجت الأم وبقي أطفالها معها ستكون هي الأقدر على تربيتهم وحمايتهم لأنهم سيكونون معها معظم الوقت، ليأتي هذا التعديل ويخِّير المرأة بين خيارين أحلاهما مر: إما أن تكون أما ولا تتزوج، أو تختار الزواج مرة أخرى وتفقد حضانة أطفالها!!! وهو طبعاً خيار قاتل للأمهات، فمثلما الزوج لديه الحق أن يعيد تجربة الزواج يجب أن يكون لديها نفس الحق لتأسيس عائلة من جديد، لذلك نشهد اليوم كثيرا من الزيجات تتم خارج المحكمة، أو أمور أخرى تقوم بها السيدة كي لا تخسر أطفالها! أما عن قضية الطلاق، فتقول شرف أن المرأة تظلم نفسها لأن المجتمع يظلمها فكلمة “مطلقة” لوحدها جريمة حيث لا يُنظر للمرأة المطلقة على أنها ربما تكون ضحية زواج وزوج فاشل، بل تُلام أشد اللوم من الجميع! حتى فيما يخص موضوع الميراث الذي أعطى للذكر مثل حظ الأنثيين بتنا نرى اليوم المرأة هي التي تعمل وتنفق ولا أحد ينفق عليها!.
لا تثق بالقانون!
بالحديث عن قانون العقوبات، ومثلما هناك تشديد بتطبيقه على من يقوم بقتل الأصول للفروع أو الفروع للأصول، يجب أن يكون هناك تشديد بالنسبة لعقوبة العنف الذي يمارس ضد الزوجة من قبل زوجها أو الأب لابنته أو الأخ لأخته أو حتى الابن لأمه لأن الإيذاء ليس فقط جسديا بل أيضاً نفسي، خاصةً إذا كان أمام الأطفال، مختتمةً حديثها بأن المرأة لا تثق بالقانون مع كل أسف لأنها عندما تلجأ للقانون تواجهها عدة عقبات فعلى سبيل المثال المرأة التي تذهب للمحكمة لطلب الطلاق تُصدم بواقع الإجراءات الطويلة بموضوع التقاضي، وترى نفسها “رح تقضي عمرها بالمحاكم”، فتقوم بالتنازل عن كامل حقوقها مقابل حصولها على الطلاق، مؤكدةً أنه من ضمن القوانين الأساسية التي يجب أن تتغير والتي ستشكل نقلة نوعية هي تلك القوانين المتعلقة بالنفقة لأنه أمر مخزي أن تكون النفقة 6000 أو7000 خاصة عندما تكون المرأة غير عاملة أو متعلمة!.
ختاماً الحديث في هذا الموضوع شائك وذو شجون ويحتاج لإرادة وعمل متواصل لتتمكن السيدة السورية من المشاركة وهي بكامل قوتها الجسدية والنفسية ببناء المجتمع الذي تعرض للكثير من الهزات جرّاء الحرب الإرهابية.
لينا عدرة