ثقافةصحيفة البعث

“لآخر العمر”.. فيلم يروي تضحيات جيشنا بحرفية عالية

بعناوين من الحب والحماس استقبل الحضور العرض الخاص لفيلم (لآخر العمر) الذي عُرض الأسبوع الفائت في دار الأسد للثقافة والفنون. الفيلم من إخراج المبدع باسل الخطيب وتأليف سامر محمد إسماعيل وإنتاج وزارة الإعلام.

كان الفيلم مزيجاً بين الواقعية بحرارته، والإنسانية بدفئه وصدقه، حيث نجح في تصوير البطولات بطريقة رائعة بعدما أظهر إيماناً حقيقياً بالنصر وتصميماً كبيراً على الشهادة، قدّم مادة درامية دسمة جمعت بين الشكل والمضمون.

لم يقدّم الفيلم أحداثاً عادية مستهلكة من خيال الكاتب ورؤية المخرج، بل نجح في نقل الأحداث من حيّز التاريخ إلى صور صادقة ومعبّرة عن تضحيات وحب وانتماء لتراب الوطن، التي كانت عناوين واضحة على أداء بواسل جيشنا المغوار، وأعاد إلى الأذهان صورة الجندي السوري، ومدى حبه وإيمانه بقضيته وسعيه وراء تحقيق هدفه في تحرير أرضه من رجس الإرهاب رغم كل الصعاب.

إنجاز فيلم بهذه الطريقة المبدعة عمّا حقّقه الجيش خلال الحرب التي شُنّت على سورية، أمر مهمّ وضروري لأنه صوّر لنا وللأجيال القادمة مرحلة مهمّة ومفصلية، فجاء مفعماً بكثير من الروح الوطنية.

نجح مخرج الفيلم في إدخالنا في الأحداث ضمن إطار إنساني يجمع ما بين العاطفة والعقل، بعدما نجح في سرد أحداث مراسلة حربية نشيطة نقلت ما يجري على الأرض بدقة وحرفية عالية نابعة من إيمانها العميق بالهدف السامي الذي ترنو إليه، على أمل أن تقدم لو بصيص أمل صغير لبلدها الذي عانى الويلات من أعمال العنف والقتل والتدمير، لكن هذه الصفات النبيلة لم تشفع لها عندما وقعت رهينة بيد الإرهابيين، وبعد عملية مخاض عسير ومعارك شرف سطّرها بواسل جيشنا يتمّ تحريرها.

كان هناك عناوين من الشغف والحب صوّرها الفيلم عندما أبت سيدة أن تهجر بيتها رغم الموت، وبعد الأخذ والردّ ترضى أن تتركه بعدما حصلت على ميثاق شرف بعودتها إليه. كما صوّر الفيلم العلاقة الإنسانية التي تربط كل فرد من أفراد الجيش بخطيبته أو زوجته أو والدته المريضة، دخل المخرج إلى أدق التفاصيل التي يعيشها الجندي السوري، حتى طريقة تناوله لوجبة غدائه المصنوعة من البطاطا المسلوقة.

باسل الخطيب لا يروي هنا حكايا حب بقدر ما يقارب سؤالاً وجودياً أكثر عمقاً وأكثر إيغالاً في أوجاعنا، ولعلّ الأكثر أهمية أن الخطيب استطاع أن يغلّف سؤاله بطيف من المتعة التي هي الشرط الأساسي للعمل التلفزيوني.

من جهة أخرى  ابتعاد الفيلم عن الثرثرة لم يوقعه في الإبهار أو الاستعراض المجاني، إذ جاءت حركة الكاميرا مدروسة متقنة تعي وظيفتها وقدراتها التعبيرية في رسم إنسانية الحالة دون التوقف عند تفصيلاتها، مع إدارة إخراجية محترفة لأداء الممثلين الذي اقترب من الحسّ أكثر مما نحا إلى الحسي، خارجاً من حيّز التمثيل إلى فضاء التمثل، ومن مبالغة الواقعي إلى إيحاء التعبيري.

بالعموم الفيلم جاء ليكرّس مفاهيم عن الحب والتضحية والشهادة والانتماء للوطن عبر نص منسوج بكثير من الصدق وإخراج فاق حدّ الإبهار.

مهند الحسني