هيئة المواصفات والمقاييس.. دور رقابي مغيّب وتجار لا يتعاونون!
في كلّ يوم نعاني وبشدة من مسألة انحدار جودة المنتج الصناعي الوطني، سواء أكان غذائياً أم إلكترونياً أو نسيجياً، والتناقص التدريجي في المواصفات، فما أسباب ذلك، خاصة وأننا نمرّ بظرف اقتصادي صعب يحتّم علينا دعم منتجنا المحلي، والتعامل معه؟، وهل هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية تلعب دوراً رقابياً قد يخفّف من تلك الظاهرة؟، وما الذي تمّ التوصل إليه مؤخراً خلال اجتماع وزير الصناعة مع الكادر الفني في الهيئة؟.
تحرير الأسواق قد ينهيها
خلال استطلاعنا لواقع الأسواق وأخذ آراء عددٍ من الزبائن والبائعين، أثارت آراؤهم مسائل مختلفة كالعجز الكبير للمنتج الوطني عن منافسة الكثير من البضائع، بما فيها الصينية المقلّدة التي كنا ندعوها بالأمس (ستوك) على صعيد الإلكترونيات والكهربائيات، بل ذهب البعض إلى أن أية عملية تحرير للأسواق والسماح بالاستيراد ستنهي عدداً كبيراً من مصانع منتجاتنا على الفور بسبب فشلها في المنافسة وافتقارها للمواصفات المطلوبة. وفيما يتعلّق بالصناعات الغذائية فإن معظم مصانعنا عاجزة عن منافسة منتجات بضائع دول الجوار ذات الإمكانيات العادية والحداثة في مجالي التجارة والصناعة، كما علمنا من أحد المختصين أن وزارة الصناعة قرّرت التساهل مع الصناعيين فيما يتعلق بالمواصفات لمساعدتهم في النهوض مجدداً بعد الحرب، وإذا صح ذلك فإلى متى سيستمر؟ وما انعكاس ذلك على الزبون الذي بات يفضّل شراء المهربات على المنتجات الوطنية؟. من ناحية أخرى أشار البعض إلى أن تراجع الجودة هو نتيجة طبيعية لعدم دراسة السعر الاسترشادي، وتحديده بما يتماشى مع أسعار وتكاليف المنتجات، ولن يكون الحلّ إلا بتحرير السعر، أو على الأقل دراسته بدقة لمنع الصناعي من اللجوء إلى الغش.
دورها تشريعي فقط
تعتبر هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية جهة تشريعية تصدر المواصفات القياسية لكافة المنتجات، أو لأغلبها، سواء أكانت مواصفات محلية أم عالمية، وفق ما أكده محسن حلاق مدير عام الهيئة، حيث يتمّ إصدار هذه المواصفات بما يتناسب مع المواصفات العالمية للمنتجات بكافة أنواعها، وتتضمن كل مواصفة حدوداً معينة لتركيز المواد الداخلة في إنتاج المادة، على أن يكون الحدّ الأدنى بفاعلية ممتازة تتلاءم مع مدة صلاحية المنتج، وألا تؤثر على فاعلية المادة، وبالتالي التزام الصناعيين ببنود المواصفة هو أمر إلزامي يخضع للمتابعة والمراقبة من قبل كلّ من وزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك من خلال دورياتها المنتشرة في الأسواق، والصحة من خلال المتابعة داخل المعامل المنتجة للمواد الغذائية، في حين يقتصر دور هيئة المواصفات على التشريع، وتتضمن المواصفات الصادرة عن هيئة المواصفات الحدّ الأدنى لدرجات الجودة بما يخصّ المنتجات من الناحية الفنية، والغذائية والصحية، ولا تعطي هيئة المواصفات أي استثناء بالتخفيض عن الحدّ الأدنى لمعايير الإنتاج لأي منتج.
لا تساهل
بما يخصّ الصناعات الإلكترونية والكهربائية، أوضح حلاق أن الهيئة تصدر مواصفات هندسية لبعض مكونات هذه الصناعة، ويعود دور مراقبة عملية التجميع للوصول إلى المنتج النهائي لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ولا يوجد لدى الهيئة ما يُسمّى بالتساهل المرحلي، أي أن الاستثناءات مرفوضة وغير موجودة. وفيما يخصّ وجود بضائع مهربة في الأسواق تنافس الوطنية، اكتفى حلاق بالتعليق أن عملية ضبط تلك المواد عائدة إلى إدارة الجمارك العامة، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وفيما يخصّ عملية متابعة المواصفات، تابع حلاق: يقوم المصنّع الراغب بتصنيع أي مادة بشراء المواصفة القياسية الضابطة لهذه الصناعة من هيئة المواصفات، والتي تعتبر من ضمن شروط ترخيص المنشأة لديه، ويتمّ صناعة المنتج وطرحه في الأسواق للاستهلاك، في حين تقع متابعة مدى مطابقة هذا المنتج للمواصفة على عاتق دوريات حماية المستهلك، وفي حال وجود شكوى توجّه إلى وزارة التجارة الداخلية بما يخصّ مخالفة المواصفة، وفي حال تمّ توجيه أي استفسار إلى الهيئة بفحوى هذه المخالفة تتمّ الإجابة عليها كما جاء في المواصفة المعتمدة لدى الهيئة، وهناك حالات أخرى كأن يقوم الصناعي بتقديم طلب إلى الهيئة لإعادة دراسة المواصفة الخاصة بمنتج ما.
المطالبة بدور رقابي
وفي حال رغبة الصناعي تصدير منتجاته خارجياً، تمنح الهيئة شهادة مطابقة للمنتجات المراد تصديرها بناءً على طلب من الجهة المصدرة، حيث تقوم الهيئة بسحب عينات عشوائية من الأسواق، وإجراء اختبار وتحليل للمادة وفق المواصفة القياسية السورية المعتمدة، ومنح المنتج شهادة مطابقة تعتبر جواز سفر للمنتج خارج الأراضي السورية. وطالب حلاق بأن يكون للهيئة دور رقابي في الأسواق السورية على كافة المنتجات باختلاف تصنيفها للتأكد من مدى مطابقة هذه المنتجات للمواصفات السورية والعالمية. وأن المواصفة القياسية السورية في مراحل إعدادها تأخذ بعين الاعتبار مثيلاتها، سواء كانت الإقليمية أو الدولية، من حيث الفاعلية وجودة المنتج، أما عملية وضع تسعيرة خاصة بالمنتج أو تحديد أسعار استرشادية للمنتجات فليست من مهام هيئة المواصفات.
مجريات الاجتماع
وحول مجريات اجتماع وزير الصناعة مع الهيئة، أشار حلاق إلى أنه عرض خلال الاجتماع واقع العمل، وبيّن أن الهيئة تمتلك نحو 4200 مواصفة موزعة بين غذائية، ونسيجية، وكيميائية، وهندسية، وتمّ التأكيد على أهمية عضوية هيئة المواصفات في المنظمات الدولية التي تجعل من هيئة المواصفات حاضرة على المستوى الدولي، وقادرة على الحصول على المراجع الدولية، وعلى ضرورة مشاركة هيئة المواصفات في الاجتماعات الدولية للجان الفنية التي تعدّ مشاريع المواصفات الدولية، وذلك بهدف المشاركة في إعداد المواصفات الدولية بما يتلاءم مع الاحتياجات الوطنية، وضمان عدم خروج المنتجات السورية المحلية عن التوصيف الدولي، كضرورة مشاركة هيئة المواصفات في اجتماعات اللجنة الدولية الخاصة بالزيوت والدهون التابعة لهيئة دستور الغذاء (الكودكس)، وذلك بهدف المشاركة في وضع المواصفة الدولية لزيت الزيتون من أجل ضمان عدم إخراج مواصفات زيت الزيتون السوري من المواصفة الدولية التي يتمّ إعدادها حالياً، حيث جرى في الاجتماع الأخير لهذه اللجنة في العام 2018 في ماليزيا وضع مسودة مواصفة دولية لا تتوافق مع خصائص زيت الزيتون السوري، وهذا سيؤثر بشكل سلبي على تسويقه في الأسواق العالمية، كما تمّ خلال الاجتماع عرض المشكلات التي تعترض مديريات الهيئة، وكان أبرزها عدم تعاون التّجار والصناعيين بشكل فعّال مع الهيئة بما يخصّ إعداد المواصفات، في حين طرح وزير الصناعة مجموعة نقاط رئيسية أبرزها توحيد المرجعية لعدة جهات يشترك عملها بطابع واحد هي هيئة المواصفات والمقاييس وجهات أخرى، للوصول إلى قوانين وضوابط مشتركة بما يخصّ عملها المشترك، وتالياً مسألة قانون القياس الذي تعتبر الهيئة ركناً أساسياً فيه، وضرورة الترويج للنشاطات التي تقدّمها هيئة المواصفات، وخاصة بمجال الجودة ومنح شارة المطابقة، وأكد الوزير على تأمين الدعم الذي تطلبه الهيئة من الوزارة من حيث البنية التحتية، وشدّد على ضرورة إعادة النظر بالمواصفات الصادرة عن الهيئة لتلائم احتياجات السوق وتوازي مثيلاتها العالمية.
بشار محي الدين المحمد