الصحراء الغربية بين قرار ترامب والاتحاد الأوروبي
هيفاء علي
بالنسبة لترامب، وللإدارة الأمريكية التي لاتزال على مسار المحافظين الجدد، فإن موقع “تويتر” يتمتع بقوة القانون، ومهما كانت قرارات الأمم المتحدة، الشجاعة أحياناً، ومهما كانت حقوق الشعوب، فإن الهدف الأساسي لتلك الإدارة هو سحق الشعوب. الحماقة الأخيرة لترامب تمثّلت بإعطاء الصحراء الغربية للمغرب، لم يتجرأ أحد على الاستنكار سوى قاضي الصلح غيسلان بواسونير، أحد أفضل الخبراء في القانون الدولي.
لا شك أن تطبيع العلاقات بين المغرب و”إسرائيل” سلّط الضوء على الوضع في الصحراء الغربية مرة أخرى، لأن التطبيع جاء تحت ضغط أمريكي، ولتأمين الامتيازات المغربية، لم يتردد دونالد ترامب في بيع حقوق الشعب الصحراوي، وبالفعل، في بيان نُشر في 10 كانون الأول 2020، “تعترف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء الغربية” من خلال اعتبار “أن الدولة الصحراوية المستقلة ليست خياراً واقعياً لحل النزاع”، وهكذا يحاول دونالد ترامب تسوية نزاع في تحد لمبادئ القانون الدولي، ودون استشارة الشعب الصحراوي ممثّلاً بجبهة البوليساريو، ومن الواضح أن الكيان الإسرائيلي الذي احتل الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، ويخطط لضم جزء منها، لم يجد ما يشكو منه.
لا يخفى على أحد أن الصحراء الغربية مستعمرة اسبانية سابقة، ومنذ عام 1963 تم إدراجها في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي التي أنشأتها الأمم المتحدة، يتمتع شعبها بالحق في تقرير المصير، على النحو المعترف به في العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، احتل المغرب معظم أراضي الصحراء الغربية في عام 1975، ثم ضمها إليه.
نتيجة لذلك، يُعترف للصحراء الغربية بأنها تتمتع بوضع منفصل ومتميز عن وضع أية دولة، بما في ذلك وضع المغرب، ويترتب على ذلك أيضاً أن لسكانها الحق في تقرير المصير، الذي يجب أن يتم تنفيذه من خلال إجراء استفتاء، وعليه، فإن إدانة موقف دونالد ترامب، أو على الأقل انتقاده، كان منطقياً لتذكير الولايات المتحدة بالاحترام الصارم للقانون الدولي، لكن الصمت هو السائد!.
لقد أبرم الاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع المغرب، والتي يتم تطبيقها في الواقع على الصحراء الغربية، وبالتالي فإن تطبيقها يساهم في تعزيز السيطرة السياسية والاقتصادية للمملكة على هذه المنطقة، كما أنه يعزز سياسة توطين المستوطنين المغاربة والشركات المغربية في الصحراء الغربية، من هنا فإن التأكيد الذي قدمته السلطات الأوروبية بأن هذا الطلب لا يشكّل اعترافاً رسمياً بالسيادة المغربية هو في الواقع ضئيل الأهمية.
لقد أشارت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي إلى أنه بموجب القانون الدولي فإن الاتفاقات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع المغرب بشأن الزراعة، وصيد الأسماك، والنقل الجوي، لا يمكن أن تنطبق على أراضي الصحراء الغربية كون موافقة الشعب الصحراوي ضرورية لإبرام مثل هذه الاتفاقات.
ولكن في تجاهل للمبادئ التي أشارت إليها محكمة العدل، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات اقتصادية جديدة مع المغرب، والتي تنطبق هذه المرة بشكل صريح للغاية على أراضي الصحراء الغربية دون الحصول على موافقة الشعب الصحراوي ممثّلاً بجبهة البوليساريو، حتى إن الفواكه والخضروات والأسماك والقشريات والفوسفات من الصحراء الغربية، التي يتم تصديرها إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تم تصنيفها على أنها منتجات مغربية من قبل الرباط، وقبلتها بروكسل على أساس عدم التحقق من أن ذلك سيفيد السكان المحليين.
يبدو أن استغلال الموارد الطبيعية لأراضي الصحراء الغربية دون موافقة شعبها يعد شكلاً من أشكال النهب، وهي حقيقة باتت مقبولة في السياسة الأوروبية الواقعية، لذلك كان لابد من رفع دعاوى لإلغاء هذه الاتفاقيات الجديدة.
بين الدبلوماسية العدوانية لدونالد ترامب، والدبلوماسية الأكثر تحضراً للاتحاد الأوروبي، هناك فجوة ليست كبيرة كما تبدو، إذ يفضل الاتحاد الأوروبي إقامة شراكات، مثل تلك التي أقيمت مع الكيان الإسرائيلي والمغرب، أي وضع حقوق الشعب الفلسطيني والصحراويين لتقرير المصير وحقوق الإنسان الخاصة بهم في الخلف.
لذلك حان الوقت كي يدين الاتحاد الأوروبي بوضوح شديد إعلان الولايات المتحدة بشأن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وقبل كل شيء، يجب على الاتحاد الأوروبي جعل اتفاقياته التجارية مع المغرب متماشية مع القانون الدولي، كما طلبت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، فكما أن الصحراء الغربية ليست أرضاً مغربية، فإن منتجات هذه الأرض المحتلة ليست مغربية، ولا يمكن تصديرها إلى أراضي الاتحاد الأوروبي إلا بالتشاور مع الشعب الصحراوي.