خفافيش الشّعوبيّة
حين تضعف المناعة يصبح الجسد عرضة لهجوم كلّ أنواع الجراثيم الضّارة، ويعاني من الأمراض النّاتجة عنها ومن مضاعفاتها، وهذا هو الحال مع أمّتنا العربيّة الّتي باتت تعاني بشكل غير مسبوق من ظهور الكثير من المفاهيم الّتي تحاول النّيل منها، ولاسيّما في الآونة الأخيرة.
وما أودّ الحديث عنه هنا بشكل خاص هو ظهور وانتشار داء الشّعوبية في مواقع التّواصل الاجتماعي بالعالم الافتراضيّ بشكل لافت، من خلال مجموعات وصفحات تستتر خلف مسمّيات ثقافيّة وتحاول جذب أكبر عدد من البسطاء وأشباه المثقّفين، حيناً عبر توثيق نصوصهم الّتي لا تحمل أيّة قيمة ثقافيّة على روابط إلكترونية لا قيمة حقيقيّة لها، وحيناً من خلال القيام بترجمة نصوص هؤلاء إلى لهجات منقرضة أو شبه منقرضة، في محاولة لإحياء هذه اللهجات وإيهام الآخرين أنّها منتشرة واقعيّاً عبر نشر هذه الترجمات بهذه المجموعات والصّفحات وقيام هؤلاء البسطاء وأشباه المثقّفين ممّن تمّت ترجمة نصوصهم بتوجيه الشّكر عبر منشورات على صفحاتهم لمن قاموا بالتّرجمة بشكل متكرّر وبحركة مكثّفة توحي بوجود واقعيّ لهؤلاء الشّعوبيّين، حتّى وصل الأمر بهم لإنشاء دواوين إلكترونية تحمل مسمّيات ذات مصطلحات شعوبيّة مختلفة.
ونحن قد نجد بعض العذر لسعي هؤلاء البسطاء وأشباه المثقّفين للشّهرة في ظلّ هذه الفوضى والانحطاط الثقافي، لكنّ ما يلفت نظرنا بشكل مؤسف هو انخراط بعض أعضاء اتّحاد الكتّاب العرب بهذه اللعبة القذرة الّتي تسيء لمهمّة الاتّحاد المنوطة به والّتي يوحي بها اسمه، أو بعض من قامت وزارتا الثّقافة والإعلام بنشر أو منح موافقتهما على نشر دواوين لهم وباتوا قاب قوسين أو أدنى من نيل عضويّة اتّحاد الكتّاب العرب، ولا ندري هل يصبحون خلال فترة وجيزة من قيادات هذا الاتّحاد من خلال الظّروف نفسها الّتي أدّت إلى وصول بعض سابقيهم ممّن أصبحنا نشكّك بهم، وأدّت إلى نيلهم هذه العضويّة فيه.
لطالما كانت العروبة حضناً دافئاً لكلّ من عاش في كنفها واستظلّ بظلّها، ولكن يبدو أنّ هناك من نسي أو تناسى هذا، وغاب عنه أنّ العروبة حيّة لا تشيخ ما دامت الحياة، والتاريخ هو من أثبت ذلك شاء من شاء وأبى من أبى. فهل بات من واجب أولي الأمر بالشّأن الثقافي إجراء مراجعة شاملة تعيد الأمور إلى نصابها؟.
أمين إسماعيل حربا