بايدن وإرث الناتو
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
في كانون الأول الماضي أحيا حلف شمال الأطلسي الذكرى السبعين لتأسيسه في ظل أجواء متجهمة، بدلاً من رفع الأنخاب بصحة الحلف الدفاعي في حفل لندن الفاخر الذي وُصف بالـ”متواضع”، ومع أقل قدر ممكن من البهرجة.
بعد سنوات من الفعاليات المحسوبة بدقة شديدة أسدل الناتو الستار أخيراً على اللقاءات التي يحضرها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وميله إلى استغلال الأحداث الدولية الكبيرة للدخول في نوبات استياء ومهاجمة حلفائه وتقويض الجهود الرامية إلى الإيحاء بالاستقرار والتضامن.
وبعد انتخابات تشرين الثاني للرئاسة الأمريكية خرج أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ عن تحفظه وحياده المعهود للإعراب عن لهفته لدعوة الرئيس المنتخب جو بايدن للقمة المقرّر عقدها بمجرد أن تتمكن الإدارة الأمريكية الجديدة من المشاركة فيها.
هنا من المهمّ جداً أن يكون للحلف في واشنطن شريك يمكن التنبؤ به، ولاسيما أن الناتو يمرّ في مرحلة تحسين استجابته للتحديات الجدية التي تواجه حكومات أعضائه الثلاثين، وحول ذلك يقول بول تيلور الباحث الأول في مؤسّسة أصدقاء أوروبا: “في نهاية الأمر نجا الناتو من دونالد ترامب، ولكنه لم ينجُ دون أضرار ودون تغييرات”.
لطالما انتقد ترامب حلفاءه في الناتو ومن بينهم ألمانيا التي اتهمها بالانتفاع من الوجود العسكري الأمريكي فيها، ولكن يمكن أن يكون لبعض التغييرات جانب إيجابي حتى وإن تركت آثاراً على نفسية الحلف، فعلى سبيل المثال رغم أن ترامب يزعم -مخطئاً– أنه تمكّن من عكس توجه حلفائه لخفض إنفاقهم العسكري، وهو أمر حدث بالفعل في 2014، إلا أن الحلفاء عزّزوا من نفقاتهم الدفاعية للوصول إلى الـ 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الذي حدّده الناتو، وذلك لتجنّب انتقاداته اللاذعة العلنية.
ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إيجاد أية فائدة في الانسحاب المفاجئ وغير المنسق للقوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، فضباط الناتو يساعدون في تدريب القوات المحلية لإدارة أمنها بنفسها مستقبلاً، وإعلان ترامب المفاجئ هذا كان مقلقاً للناتو الذي لم تتمّ استشارته وللحكومات التي أرسلت جنودها وضباطها إلى تلك الدول، والتي ستكون في موقع أضعف بسبب انسحاب القوات الأمريكية.
هذا هو الوضع الصعب الذي سيرثه بايدن في الناتو، وقد بات حلفاء الولايات المتحدة يعتمدون عليه لدعم جهودهم الموحّدة لمواجهة هذه التحديات، إضافة إلى ملفات أمنية أخرى على المدى القصير والطويل. وحالياً يقوم الأمين العام ستولتنبرغ بوضع سلم أولويات لهذه الملفات بالنظر إلى أن التصور الاستراتيجي للحلف الذي يحدّد التهديدات والإمكانيات المتاحة لمواجهتها لم تتمّ مراجعته منذ عام 2010.
وتنصّ التوصية الأولى لتقرير الإصلاح “الناتو 2030” للسنوات العشر القادمة أنه على الرغم من أن روسيا ستظلّ المنافس الرئيسي للناتو في العقد المقبل، إلا أنه يجب على الناتو أن يفكر بجدية أكبر في كيفية التعامل مع الصين وصعودها العسكري.
وعلى المدى القصير يجب على الحلف أن يتعامل مع مناطق صراع أكثر سخونة، فمع تعثر مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، يقول ستولتنبرغ إن الناتو سيقرّر في شباط المقبل ما إذا كان سيستمر في مهمته هناك للتدريب وتقديم المشورة والمساعدة أم سينسحب من أفغانستان بعد حوالي عقدين من الزمان، فقد تعهّد الناتو بالبقاء في البلاد إلى أن تسمح الظروف الميدانية للقوات الأمنية المحلية بالحفاظ على الاستقرار.
إن القضية، التي أثارت أكبر قدر من الاختلاف طوال السنوات الأربع الماضية، وستبقى محور خلافات الحلف، هي حدّ الـ 2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وفي هذا الصدد قال توماس دو ميزيير في خطاب بمركز تحليل السياسات الأوروبية: “ستكون إدارة بايدن أكثر صعوبة بالنسبة لنا، لأن نبرتها ستكون أكثر صرامة والأمر لم يصل إلى الحديث عن التفاصيل مع موقف ترامب العدائي، وهو ما يجعل الأمر بالنسبة لنا في أوروبا وألمانيا أصعب.. لكنني أرحب بذلك”.
لكن الباحث بول تيلور يرى أن الأمور لن تكون سلسة تماماً مع إدارة بايدن، والمفاوضات الصعبة لا تعني بالضرورة عراكاً، وسيكون الأمر مبنياً على الحقائق نفسها، وعلى الافتراض الأساسي نفسه بأننا في القارب نفسه وأننا أقوى سوياً، وأن أمريكا أقوى مع حلفائها من أن تكون وحدها، وأن الحلفاء أقوى مع أمريكا من أن يكونوا وحدهم.