عام على رحيل قاسم سليماني
هيفاء علي
منذ أيام قليلة، تمّ إحياء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قاسم سليماني وأبو المهدي المهندس ورفاقهما الذين اغتيلوا بأمر مباشر من ترامب قرب مطار بغداد. لم تكن العملية الجوية الإرهابية على مطار بغداد أحادية الجانب وغير مبررة وغير قانونية فحسب، بل كانت استفزازاً إثارة رد فعل إيراني ليتمّ مواجهته بعد ذلك بذريعة “الدفاع عن النفس”.
لقد تمّ تقديم الأمر على أنه “اغتيال مستهدف”، وعملية استباقية ترمي لإفشال التخطيط المزعوم لسليماني لشنّ “هجمات وشيكة” على الدبلوماسيين والقوات الأمريكية، لكن بعد ذلك كشف رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أمام البرلمان عن السياق الحقيقي، وهو أن سليماني كان في مهمة دبلوماسية على متن رحلة منتظمة بين دمشق وبغداد، ومشاركاً في مفاوضات معقدة بين طهران والرياض، ما يعني أن الآلة الإمبريالية اغتالت -في تجاهل للقانون الدولي- مبعوثاً دبلوماسياً بحكم الأمر الواقع.
المجموعات الرئيسية التي حرضت على اغتيال سليماني كانت من المحافظين الجدد الأمريكيين -الجاهلين بتاريخ وثقافة وسياسة جنوب غرب آسيا- وجماعات الضغط الإسرائيلية والسعودية، الذين يؤمنون بشدة أن مصالحهم يتمّ الدفاع عنها كلما تعرضت إيران للهجوم. وحتى ترامب لم ير الصورة الكبيرة وتداعياتها الرهيبة، فهو لا يرى سوى ما كان يمليه عليه مموّله الإسرائيلي الرئيسي شيلدون أديلسون، وما كان جاريد كوشنر يهمس به في أذنه بما أخبره به صديقه المقرب محمد بن سلمان!.
تمّ ضبط رد فعل إيران المحسوب على اغتيال سليماني بعناية حتى لا يطلق العنان لـ”الردع” الإمبراطوري الانتقامي، خاصةً وأن الفترة التي سبقت اغتيال سليماني كانت تتمحور حول تحذيرات من حرب أمريكية إيرانية على وشك الاندلاع.
كان إطلاق الصواريخ الدقيقة على قاعدة “عين الأسد” قبل عام الأول من نوعه في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تمّ تفسيره على أنه اختراق قاتل للدروع المهيمنة لـ”الهيبة” الأمريكية منذ عقود.
وبعد مرور سنة على اغتيال سليماني، لم تتأثر طهران بطائرتين من طراز (B-52) ذات القدرة النووية واللتين حلقتا مؤخراً فوق الخليج، ولا بإعلان البحرية الأمريكية عن وصول حاملة الطائرات “يو إس إس جورجيا” الأسبوع الماضي إلى المنطقة.
ولم يوفر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف فرصة لتحذير ترامب من أنه محاصر في سبب زائف للحرب، وأن ردّ الفعل سيكون حتمياً. وهذه حالة من الدبلوماسية الإيرانية التي تتوافق مع الحرس الثوري الإيراني.
وبالفعل قام هادي حاج زاده من الحرس الثوري الإيراني مرة أخرى بترسيخ الخط الأحمر الإيراني فيما يتعلق بالدفاع عن الجمهورية الإسلامية بالقول: “لن نتفاوض مع أي شخص على القوة الصاروخية، لأن طهران حدّدت مدى صواريخها بـ 2000 كيلومتر”.
ليس فقط محور المقاومة، بل مناطق واسعة من جنوب الكرة الأرضية يدركون جيداً كيف قاد سليماني القتال ضد “داعش”، في العراق من 2014 إلى 2015، وكيف ساعد في تحرير تكريت في 2015.
وفي هذا الشأن، قال البروفيسور محمد مراندي من جامعة طهران، وهو يتأمل في الاغتيال: “أهم شيء أن النظرة الغربية للوضع هي نظرة استشراقية للغاية. إنهم يفترضون أن إيران ليس لديها هياكل حقيقية وأن كل شيء يعتمد على الأفراد. في الغرب، لا يؤدي الاغتيال إلى تدمير إدارة أو شركة أو منظمة. توفي الإمام الخميني وقالوا إن الثورة انتهت. لكن العملية الدستورية أفرزت زعيماً جديداً في غضون ساعات. الباقي هو التاريخ”.
قد يفسّر هذا إلى حدّ كبير الجغرافيا السياسية لـ سليماني، فهو كان نجماً ثورياً، وكثيرون في جنوب الكرة الأرضية يعتبرونه تشي جيفارا، ولكن قبل كل شيء كان ترساً في آلة مفصلية للغاية، وجزء من محور المقاومة.
لذلك كان من أهم نتائج اغتيال الجنرال سليماني والمهندس هي الدعوات لطرد القوات الأمريكية من المنطقة. وفي ظل عقوبات “الضغط الأقصى”، ستتعاون إيران وروسيا، وستعمل إيران على ترسيخ نفسها بشكل متزايد باعتبارها العقدة الرئيسية لطرق الحرير الجديدة في جنوب غرب آسيا.