“حادث الكونغرس”.. نتائج وأسئلة
محمد كنايسي
لاشك في أن نتائج هامة ستنجم عن الحادث غير المسبوق الذي شهدته الولايات المتحدة مؤخراً، والمتمثّل في اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس لمنع التصديق على فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية. من أبرز هذه النتائج تعميق الشرخ المجتمعي الذي غذّته الترامبية واستثمرته في آن واحد. وإذا كان من المبالغة تأييد الرأي الذي ذهب إلى حد التكهن بتفكك أمريكا قريباً، كما حدث للاتحاد السوفييتي، فإن من الطبيعي القول: إن مثل هذا السيناريو لن يكون قابلاً للحدوث إلا إذا لم تستطع إدارة الرئيس الجديد تطويق آثار ما حدث، ومعالجة الجرح الغائر الذي أحدثه في الجسد الأمريكي، مما يعني عملياً أن أولوية تلك الإدارة ستكون مواجهة هذا التحدي الداخلي، الذي شكل تهديداً خطيراً للديموقراطية الأمريكية، وعبّر عن أزمة عميقة تمر بها البلاد دولة ونظاماً ومجتمعاً.
النتيجة الثانية، والتي ستترتب عن الأولى، هي أن أمريكا الغارقة في أزمتها الداخلية، والتي تواجه مخاطر التصدّع المجتمعي والاحتراب الأهلي لن تكون في أفضل المواقع التي تؤهّلها للاستمرار في انتهاج سياسات العدوان والغطرسة، وأن إدارتها الجديدة ستلجأ منطقياً إلى تخفيف التصعيد والتوتير، واتباع تكتيكات جديدة لتحقيق استراتيجية الهيمنة الأمريكية العالمية التي يصعب التراجع عنها. ومن هنا فإن رسالة إدارة بايدن للعالم سيكون مفادها: لا تظنوا أن ما حدث سيضعف أمريكا ويجعلها تتراجع فنحن قادرون على استيعابه وماضون في احتواء منافسينا، وتأديب المتمردين على هيمنتنا.. وكل هذا يفرض على من يقاوم هذه السياسة الأمريكية من قوى دولية وإقليمية الاستفادة قدر الإمكان من التكتيكات الدبلوماسية والتفاوضية التي يتوقّع أن تلجأ إليها إدارة بايدن في التعامل مع الملفات الصعبة التي تتصدّر أجندتها الخارجية، ولكن دون مراهنة على أي تغيير عميق في الاستراتيجية العدوانية الأمريكية، إلا إذا أدّت التداعيات الداخلية لما حدث في أمريكا إلى خروج الوضع السياسي والاجتماعي عن السيطرة وفشل الإدارة الجديدة في معالجته، وهذا احتمال ضئيل.
ويبقى من المهم جداً لنا نحن عرب المقاومة أن نقرأ هذا الحادث قراءة موضوعية وعميقة تفيدنا في فهم العدو الأمريكي، والمقصود به النظام وليس الشعب طبعاً. وقد لا نبالغ إذا قلنا: إن معظم ما كتب عربياً حوله حتى الآن لا يخرج عن نطاق القراءة الانطباعية السريعة والمحكومة بالسطحية وبعقلية التشفي.. ومن الغريب أن البعض لا يتورّع عن اعتبار ما حدث دليلاً على فساد الديموقراطية الأمريكية والديموقراطية عموماً.. والبعض الآخر لا يتورّع عن مقارنة الولايات المتحدة بالدول المتخلّفة واستبعادها من قائمة الدول المتقدّمة، بل والقول: إن ما حدث فيها هو تعبير طبيعي عن البربرية والوحشية المتأصلتين في قيام الدولة الأمريكية على أساس إبادة الآخر، وبأنه الدليل الساطع على سقوطها الحتمي..
ومن الواضح تهافت مثل هذه القراءات وإغراقها في السرد الذي يعكس رغبات أصحابها أكثر مما يحلل ما حدث تحليلاً موضوعياً، مما يزيدنا بعداً عن فهم هذا العدو الشرس وضعفا في مواجهته..
صحيح أن التاريخ الأمريكي تاريخ إبادي ودموي، وصحيح أيضا أن الديمقراطية الأمريكية تعاني اليوم أزمة حادة. ولكن هذا لا يجيب عن سؤال: لماذا حدث ما حدث في أمريكا، ولا على سؤال: كيف نستفيد منه في الصراع المستمر مع الدولة التي تناصبنا العداء، والتي ما زالت حتى الآن الدولة الأقوى في العالم.