ربيع الخراب.. ما الذي حدث؟
علي اليوسف
بعد عقد مما يسمى “الربيع العربي”، والذي ترعاه القوى الغربية الاستعمارية، ساء الوضع الاقتصادي في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهجّر ملايين من منازلهم، داخلياً وخارجياً، ويكافح ملايين لتغطية نفقاتهم، خاصة في البلدان التي مزقتها الحروب الإرهابية، وخلف دماراً نفسياً وجسدياً لدى أغلبية شعوب المنطقة، وازدياد خطر الإرهاب والتطرّف.
بدأ كل شيء في تونس مع بائع فواكه يبلغ من العمر 26 عاماً، محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في نفسه بعد أن صادرت الشرطة عربته ومنتجاته، كان يأسه رمزاً للبطالة في تونس ذات الغالبية من الشباب، حيث أثار ذلك نقمة السكان الغاضبين في الأساس من الأوضاع الاقتصادية في البلاد، لدرجة أن الرئيس زين العابدين بن علي اضطر للتخلي عن منصبه ومغادرة البلاد، وفي الوقت الذي انتقلت فيه تونس إلى الديمقراطية “المزعومة”، وإن كانت متعثرة، إلا أن مستويات معيشة الناس تراجعت بشكل كبير، ولاتزال معدلات البطالة مرتفعة، ويشعر نصف التونسيين على الأقل بوضع أسوأ الآن مما كان عليه قبل ذاك “الربيع”، بحسب استطلاع أجرته صحيفة الغارديان.
أما سورية فقد عانت الأسوأ، حيث تم تصدير الإرهاب إليها من أكثر من 80 دولة، وتحولت معظم الأراضي فيها إلى ساحات قتال حقيقية بين الجماعات الإرهابية المصدرة إليها، التي لا تعد ولا تحصى، والدولة الوطنية السورية، التي كان من أهم أهدافها درء ذاك الخطر القادم من خارج الحدود، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وبالفعل استطاعت الدولة السورية مواجهة هذا الإرهاب، بمساعدة الحلفاء، واستعادة معظم المساحات الجغرافية التي سيطر عليها الإرهابيون، وبقي أمامها الفصل الأخير من هذه المعركة وهو استعادة الأجزاء الباقية من الجزيرة السورية التي تسيطر عليها ميليشيات “قسد” المدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، ومحافظة ادلب التي تسيطر عليها ما تسمى “هيئة تحرير الشام” الفرع السابق لتنظيم القاعدة، المدعوم من النظام التركي وأنظمة البترودولار، أما فيما يخص الشأن الاقتصادي فهو أشبه بالوضع التونسي إلى حد ما، فالاقتصاد السوري يعيش الآن في أسوأ أحواله نتيجة الحرب الإرهابية منذ عشر سنوات، والأزمة المصرفية في لبنان المجاور، والإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري – قانون قيصر- التي فرضتها الولايات المتحدة، بهدف الضغط على الشعب السوري في لقمة عيشه وحياته اليومية ومحاولة خنقه، لتحقيق أجندات جيوسيلسية.
في المقلب الآخر، وتحديداً في ليبيا، فقد اكتسبت الميليشيات المدعومة من النظام التركي اليد العليا في القتال، وليبيا الآن منقسمة على ذاتها، حيث يلحظ التنافس الإقليمي بين أنصار “الإخوان المسلمين” المدعومين من أردوغان، والميليشيات السبفية المدعومة من الأنظمة الملكية- الإمارات المتحدة والسعودية- التي تعتبر “الإخوان” تهديداً لاستمرار حكمهم.
إذاً ما حدث بالفعل هو تأجيج الصراعات العربية- العربية، ودخول أبناء الجلدة في دوامة الاقتتال، وما رافق ذلك من اصطفافات جيوسياسية، وما حدث أكثر بعد عشر سنوات من تلك الثورات المصنعة في الغرب أو ما يسمى “الربيع العربي”، والذي خصص له أكثر من 130 مليار دولار، هو محاولة تخريب دول عربية بهدف تفتيت المنطقة والسيطرة عليها خدمة للمخططات الأمريكية وتنفيذاً لسياساتها، وغياب المعتدلين والليبراليين عن الساحة العربية، وتركها لتكون ساحة للإرهاب العابر للقارات، وانهيار الأنظمة العلمانية الوطنية، لكن صمود سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، أسقط المخطط، وأعاد توجيه البوصلة.