رغم الحصار والوباء.. استمرار إجراء عمليات زرع الكلى ومشفى المواساة الجامعي في المقدمة
تحمَّل القطاع الصحي والطبي في سورية خلال السنوات الماضية أعباء كثيرة، وعانى ولا يزال من ظروفٍ قاسية جداً، ليأتي وباء كورونا ويحصد أرواح عشرات الأطباء، حيث وصل عدد شهداء القطاع الطبي في آخر حصيلة تحدث عنها نقيب أطباء سورية إلى 130 طبيباً خلال الفترة الماضية، وعلى الرغم من كلّ ظروف وواقع العمل الصعب يُحقّق الكادر الطبي الكثير من النجاحات، كان آخرها ما حققه مشفى المواساة الجامعي الذي كان في المرتبة الأولى بين مشافي القطر بعدد زرع الكلية ومتابعتها مجاناً.
خدمات جديدة
الدكتور عصام الأمين مدير مشفى المواساة الجامعي أكد أن المشفى حافظ على المرتبة الأولى في إجراء عمليات زرع الكلى، واستمر بتقديم خدمات جديدة لمرضى “زرع الكلية”، سواء قبل أو بعد العمل الجراحي، والتي تعتبر مكلفة جداً حيث تُقدّم بشكل مجاني، مضيفاً أنه رغم كل الظروف الصعبة التي نمر بها فقد وصل عدد عمليات زرع الكلية خلال عام 2019 إلى 107 عمليات، أما عام 2020 فقد تمّ إجراء 90 عملية رغم وجود وباء كورونا وتوقف كامل للعمليات الجراحية.
الإنجاز بالتطوير
الدكتور عمار الراعي رئيس وحدة زرع الأعضاء في مشفى المواساة، وممثل سورية وشرق المتوسط بجمعية الشرق الأوسط لزرع الأعضاء، بيّن الأهمية الكبيرة للكلية باعتبارها عضواً نبيلاً في الجسم، خاصةً وأن إصابتها لا ترمّم، وقصور الكلية مرض يعادل السرطان من الدرجة الرابعة، وهو مرض قاتل وعبء اجتماعي ومعنوي واقتصادي على المريض وعائلته، لأن مريض الكلية سيتعطّل عن حياته بسبب العلاج، فهو يحتاج إلى ثلاث جلسات أسبوعياً، لذلك من هنا تبرز أهمية هذه العمليات التي تُجرى.
ويتابع الدكتور الراعي: قانونياً، يسمح القانون للمتبرع الحيّ بالتبرع، سواء أكان قريباً أو غريباً، مضيفاً أنه تمّ إجراء 90 عملية زرع كلية في مشفى المواساة عام 2020 وصلت نسبة المتبرع القريب فيها إلى 40% والمتبرع الغريب إلى 60% من دون مقابل مادي، طبعاً هذا ظاهرياً ووفق ما هو معلن، ولكن لا نعلم ما قد يجري من تحت الطاولة وضمن إجراءات قانونية تكون موثقة عند الكاتب بالعدل، وهذا هو أصل المشكلة -برأي الدكتور الراعي-، فهناك مرسوم رئاسي صدر عام 2003، وهو المرسوم 30 الذي سمح بأخذ الأعضاء من الميت دماغياً لإعطائها لأشخاص محتاجين لها، وفي المرسوم نفسه كان هناك بند آخر سمح بأخذ الأعضاء من غير الأقارب مما نشط زرع الكلية، مؤكداً أن وزارة الصحة في عام 2004 وضعت المعايير والإجراءات الناظمة وعرَّفت الميت دماغياً وكيفية تشخيص الموت الدماغي والآلية للتبرع، لكن ومع الأسف لم يتحمّس أحد للمشروع والذي على ما يبدو لم يكتمل.
وأشار الراعي إلى أن ثمة مشكلة ما زالت قائمة مع وزارة العدل التي تعتبر أن الميت هو الذي توقف قلبه، مضيفاً أنه واجه موقفاً في إحدى المرات لرجل يرغب بالتبرع بأعضاء ابنه المتوفى دماغياً، ولكن الأمر لم يتمّ لأن القضاء يمنع ذلك ويعتبر الميت هو من توقف قلبه وهذه معضلة يجب حلَّها!. ويؤكد الراعي أن الأمور الطبية تتطور في الأزمات، وهذا يأتي رداً على من يعتبر الأمر ليس أولوية، مُضيفاً: لنتحدث بصراحة، تزداد اليوم حالات المتبرع غير القريب بسبب الظروف الصعبة، وهنا منعاً للاستغلال يجب وضع ضوابط قانونية، ويجب أن نضع بدائل وحلولاً.
أما عن عدد العمليات فيعتبر الراعي أن الإنجاز ليس بالعدد فقط، على الرغم من أهميته، خاصةً وأن العمليات مجانية مع متابعة المريض الذي يبقى يأخذ مثبطات مناعة مدى الحياة أيضاً بالمجان، ما يشكّل عبئاً كبيراً على الدولة، لذلك يتوجّب على أصحاب الشأن العمل على حلّ أمور معينة لأنها من دون شك ستحلّ معضلة كبيرة، ولا يخفى على أحد تكلفة مثل هذه العمليات في الدول الأخرى، حيث تصل إلى 100 ألف دولار، إذن الإنجاز ليس فقط بالعدد وإنما بالتطوير لأننا ومنذ عام 1985 لا نأخذ الكلية إلا من متبرع حيّ، ومن المفترض وأسوةً بباقي الدول المجاورة أن نطلق مشروع “الموت الدماغي”، لأنه مشروع وطني سيوفر أعضاء مجاناً وسيفتح الباب أمام زرع أعضاء أخرى غير الكلية، كالكبد والقلب والبنكرياس والقرنية.. إلخ.
إجراءات التحضير
الدكتور قاسم إبراهيم باشا رئيس شُعبة الكلية في مشفى المواساة الجامعي وأستاذ في أمراض الكلية بجامعة دمشق تحدث عن عمليات الزرع التي أُجريت في المشفى، والتي هي نتيجة عمل جماعي تُشارك فيه عدة اختصاصات، مؤكداً أن هناك شروطاً معينة للزرع، أولها رغبة المريض وتحمَّل الجسم، لأن كبار السن مثلاً لا يتحمّلون هذه العمليات، وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات طبية أخرى، مُضيفاً: لا بد بدايةً من أن نطلب استشارات من كل الاختصاصات للآخذ وللمتبرع، -والمتبرع بشكل أدق- لأن المتبرع ليس مريضاً، والقانون بالمرسوم الجمهوري عندما سمح بتبرع الأعضاء بمن فيهم الغرباء أصبح همُّنا المتبرع، لأن من يقوم بهذا العمل الإنساني يجب ألا يتضرر، ومن هنا تُجرى له استقصاءات كاملة، لأنه يجب أن يكون سليماً من الناحيتين العقلية والجسدية، علماً أنهم في الوسط الطبي يُفضّلون أن يكون المتبرع من الأشخاص المتوفين. متابعاً أنَّ تحضير المريض قد يستغرق أحياناً أشهراً طويلة، ثم بعد ذلك يتمّ متابعة الأمر من قبل لجنة طبية مؤلفة من طبيب كلية داخلية وطبيب جراح وطبيب نفسي، وفي حال وجود أية مشكلة صحية عند المتبرع ترفض اللجنة الأمر رفضاً قاطعاً.
“الزروعات” الجيدة
ومن وجهة نظر الدكتور باشا ليس عدد العمليات هو المهمّ، مع العلم أننا لا يمكننا نكرانه لأهميته، إلا أن الأهم هو القيام بزروعات قانونية جيدة طبياً وجراحياً ونوعية تعيش، فليس المهمّ أن أُجري 200 عملية زرع ويفشل نصفها، ويجب أن نشير إلى أن لكل مشفى قدرات معينة، خاصة وأن الكثير من المشافي اليوم يؤثر عليها توافر الأدوية، مع تأكيدنا أن كل أطباء الداخلية والجراحين في كل المشافي يمتلكون خبرات هائلة.
وبالعودة إلى موضوع عمليات الزرع التي أُجريت في مشفى المواساة، يؤكد الدكتور باشا أنه في أرقى دول العالم هناك نسبة نجاح ونسبة فشل، ولكن إذا ما قارنا أنفسنا خاصة وأننا نأخذ من متبرع حيّ مع البلاد التي تسمح بالتبرع من المتوفين دماغياً كأوربا التي لا تتجاوز نسبة التبرع من الأحياء عندهم 5 إلى 20 بالمئة والباقي من الجثث، سنجد أنفسنا بسوية جيدة جداً، نحن لدينا نسبة فشل جراحي ونسبة فشل طبي، ولا نقصد بالفشل الجراحي أنها بسبب الجرَّاح وإنما “مشكلة جراحية” عند المريض، وفشل طبي أي رفض العضو مثلاً، علماً أن نسبة الرفض بطب الكلية 10 بالمئة، أي كل 100 عملية زرع قد ترفض 10 وهي نسب عالمية، لذلك إذا ما تحدثنا عن النسب الموجودة لدينا هنا في مشفى المواساة حتى للاختلاطات سنجد أنها نسب مقبولة.
عمل جماعي
يؤكد الدكتور باشا على أهمية عمل كل أفراد الطاقم الطبي من طبيب الكلية الجيد الذي يحضر المريض، إلى المُخدّر الذي يسمح للجراح بأن تستمر عمليته بسلاسة ومن دون مشكلات، والجرّاح الذي يقوم بنقل واستئصال كلية المتبرع ونقلها للمريض الآخذ بشكل جيد من دون اختلاطات، وصولاً للطاقم التمريضي الذي يتابع المريض خلال إقامته في المشفى مع أطباء الداخلية والأطباء المختصين، مضيفاً أنهم وأثناء عملهم الجراحي قد يحتاجون للمسات فنية من أطباء جراحة الأوعية، حيث يتعاون معهم وباستمرار طبيبان من كبار جراحي الأوعية في القطر هما “الدكتور هشام حمزة والدكتور عبد الرحمن الأيوبي” اللذان لا يتوانيان في الحضور فور الطلب منهما لإسعاف أي مريض، أضف إلى كل ما سبق حرص الدولة على تأمين كل أدوية المريض التي يصل سعر أحدها إلى مليون ونصف المليون ليرة خارج المشفى تُقدم مجاناً للمريض الذي يحتاج منها لـ 4 أو 5، من دون إغفال الحديث عن تعاون إدارة المشفى لتقديم وتسهيل كل الأمور.
نقص الإحصائيات
الدكتور باشا أكد على مشكلة الإحصائيات الدقيقة، فوفق ما أكدت بعض الدراسات المحلية، من بين مليون شخص هناك من 250 إلى 300 شخص سنوياً يصابون بقصور كلوي نصفهم تقريباً يموت قبل أن يصل لمرحلة الزرع، أما العدد المتبقي قيقوم بغسيل كليته إما لأنها رغبته أو لأنه لا يمكن أن يزرع لأسباب صحية والقسم الآخر ممكن أن يزرع، مُوضحاً أننا على العكس نحتاج إلى عمليات زرع أكثر، فقبل الأزمة كنا نجري سنوياً نحو 500 عملية زرع في كل المشافي، سواء الخاصة أو الحكومية، أما اليوم فقد قلَّ العدد بسبب ظروف الأزمة والحصار ونقص الأدوية وصعوبات التنقل جغرافياً، حيث تقلص عدد المرضى وحتى عدد المتبرعين المحتملين. مضيفاً: هناك ارتفاع بأعداد المرضى بسبب عوامل سُميّة وبيئية دوائية والتشخيص الجيد وأيضاً ازدياد الوعي بين الناس، وقد كنا سابقاً نعاني من بعض المرضى الذين تأخروا في مراجعة الطبيب وبعضهم قد يكون مريضاً منذ عشر سنوات ولا يعرف!.
1500 ليرة الأجر المادي للطبيب
أشار الدكتور باشا والدكتور الراعي إلى الجهد الكبير الذي يبذله الطاقم الطبي مقارنةً بالمبلغ الزهيد الذي لا يُذكر، والذي يتقاضاه الطاقم الطبي بكل من فيه، حيث يُوزع مبلغ نحو عشرين ألف ليرة تقريباً على كامل الفريق الطبي، هذا طبعاً إذا دخل المريض إلى القسم الخاص، ومن الممكن أن يكون أجر طبيب الكلية على سبيل المثال 1500 ليرة، ما يعني أننا نعمل مجاناً ونجري عمليات معقدة من دون أي مقابل مادي.
ضرورة العمل
ولضرورة الموضوع وحساسيته وحاجته الكبيرة خاصةً في وقتنا الحالي، لا بدَّ أن نشير إلى ما أكد عليه الأساتذة الأطباء “الدكتور عصام الأمين والدكتور قاسم باشا والدكتور عمار الراعي” في سياق حديثهم لـ”البعث” عن موضوع التبرع من المتوفين دماغياً والذي تمّ الحديث فيه، وفق ما أوضح لنا الدكتور باشا، منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولم يحدث أي تطور فيه على أرض الواقع حتى الآن، إضافةً إلى ضرورة العمل على تذليل كافة العقبات التي تواجه القطاع الطبي لأنه بوجود مواطن مُعافى جسدياً ونفسياً وعقلياً سيكون هناك وطن مُعافى، وبالتالي المنفعة ستعُمّ كامل مساحة الوطن.
لينا عدرة