نورا محمد علي: الرواية ليست محطة عابرة والشعر لن يهجرني
بعد ديوانها الشعري الأول “شال من مطر” الذي صدر عام 2015 خاضت الكاتبة نورا محمد علي تجربتها الروائية الأولى “يحدها نهر” التي قامت بتوقيعها اليوم، مبيّنة في حوارها مع “البعث” أن الرواية شهادة حضور لهذا الزمن ولكل ماتملك ذاكرتنا الجمعية كسوريين، والقول كفى لكل ماصنعته النزاعات، وأن الأمل بتجاوز ما مرّ عبر ألم الصفح لكل المهزومين للعبور من اللا جدوى الذي يلفنا نحو نهر تسيجه أزهار عباد الشمس ويلهو حوله أطفال عراة يغنّون دون خوف، وغدٍ يليق بكل ماعبرناه من يأس، وهو رفض أخير يقدر عليه برأيها من كان سلاحه القلم الذي لايمكنه التعايش للأبد مع القبح والقسوة ومحاولة خلق جمال بديل كلّ بطريقته، موضحة أن الرواية عن المنطقة العربية وسقوط بغداد وما تلاه من متغيّرات في كل المفاهيم من خلال رحلة مؤلمة لامرأة بين حلب ودمشق وأوربا.
*بدأتِ من خلال الشعر وسرعان ما اتجهتِ لكتابة الرواية.
**غواية الشعر هي الجمال والسمو فوق القبح، بينما ما مررنا به من أحداث وحروب في المنطقة بشكل عام وسورية بشكل خاص يحتاج لكمية أكبر من البوح والإسقاطات الجريئة والمطولة، والشعر لا يحتمل كلّ هذا القول والبوح، بينما تستطيع الرواية أن تفرد صفحاتها لشهادات من عبروا أحداثاً صعبة وشائكة.
*ولكن يبقى للشعر سطوته الكبيرة، فهل تسلل إلى روايتك؟.
**نعم تسلّل وتموج بكل الأنهر التي عبرتها البطلة، فأنا لا أؤمن باللغة السردية التي تخلو من بعض جنون وقفزات الشعر، فحين تختلط عليها الطرقات بمشاعر أنثى وحيدة فكل ماتفكر فيه داخلياً يتحوّل لشعر بشكل لا إرادي.
*بين الشكل والمضمون لمن كانت الغلبة في الاهتمام لديكِ؟.
**طبعاً للمضمون، لأن المدارس والوصايا التي نملكها تسقط اعتبارياً أمام أحداث ومشاعر تتخذ في أغلب الأحيان كياناً مستقلاً لنفسها، فهي تعتمد على تراكماتنا لكنها كعمل روائي لا تعبأ بالمسلَّمات السابقة، محاولة في كل تجربة صنع درب خاص مطعَّم بكل ماتراكم من معرفة سابقة.
*الشكل الفني للرواية سيرة ذاتية لامرأة، فلماذا اخترتِ المرأة لتكون بطلتك في الرواية؟.
**لأن المرأة السورية عبر التاريخ مرّت بأحداث مؤلمة، ومع هذا ظلّت تجيد صناعة الحياة، والرواية وإن كانت سيرة ذاتية لامرأة إلا أنها سيرة أوطان تدفع فيها المرأة الثمن مضاعفاً، إذ تبكي القتلى والمهاجرين وتنهض بأحمال وأطياف من غابوا، وأردت أن أقول في الرواية إن كانت المرأة كائناً بالغ الرقة لكنها بالمقابل هي من تجيد ترميم الخراب الكبير، ولها الكلمة الفصل في رأب ماتصدّع.
*إذن هل تنتمي الرواية لما يُسمّى الأدب النسوي؟.
**أكيد طالما هي كُتبت بقلم نسائي فهي تنتمي للنسوية شكلاً، أما من حيث الموضوع فأنا أعمل حالياً على رواية أخرى، وفيها أحاول جاهدةً التصرف والتفكير بشكل ذكوري لأن البطل رجل، وبهذا أحاول ولو نفسياً الابتعاد عن تهمة النسوية التي تصيب بعض الكاتبات العربيات.
*وماذا عن حضور الرجل في روايتك “يحدها نهر”؟.
**هو حاضر من خلال الأب السلطة الأجمل للذكورة، وهي الشخصية الوحيدة التي ترافق البطلة على مدار الأحداث، بينما يمرّ بحياتها رجال آخرون يغيّرون لها الأفق والأمكنة ويمنحونها نضجاً وأمومة وخذلاناً ومحبة وسمواً فوق الغرائز التي تنتهي بها إلى منح غفران حتى لمن أحدث في حياتها الحزن الأكبر بوفاة أمها.
*أي ظلال تركتْها الحرب على ما كتبتِه في الرواية؟.
**للحرب كلّ الظلال، ولها احتراقات كان لابد من إفراغها بعمل روائي لتغادر الذاكرة لعلّ ذاكرتنا القادمة تمتلئ بالورود.
*بين ما هو متخيّل وما هو معاش، ما الذي انتصر في روايتك؟.
**لانستطيع الفصل بين المعاش والمخيلة إلا فيما تحلق به الشخصيات على الورق بعيداً عن أقدارنا الرمادية في انفعالاتها.. نعم، هناك مشاعر مشتركة اختارت أن ترسم لنفسها دروباً ونهايات لاتشبهني في كثير من الأحداث، لكنها في النهاية بعض ما أؤمن به.
*ما هي أهم النتائج التي خرجتِ بها بعد كتابة الرواية على صعيد خصوصية هذا الجنس الأدبي؟.
**الرواية تترك الكاتب بعد آخر كلمة فيها خالياً من المعرفة، هي جنس أدبي يستهلك كل ماتعرفه من موسيقى ورقص وجغرافيا ومشاعر وانفعالات وتاريخ وأدب، وعلى الكاتب أن يعيد قراءة كل هذا بعين أخرى ليكتب رواية أخرى، وأنا أصدق بعد كتابتي للرواية أن الشخصيات المكتوبة تتمرد وتختار لنفسها دروباً تناسبها ولا تخضع لمزاج الكاتب وتجاربه.
*هل روايتك هي مجرد محطة عابرة وستعودين للشعر بعد ذلك؟.
**ليست محطة عابرة بالتأكيد، ويبدو أن الرواية ستشدّني في قادم الأيام، فأنا أعمل على مشروع رواية تعود أحداثها لمرحلة غابرة، ولعلنا بالعودة إلى التاريخ نكرّر مشاهد وأحداثاً تتشابه مع ما نمرّ به اليوم من إشكاليات ثقافية وسياسية واجتماعية.. الرواية تتطلب جهداً ومسؤولية كبيرة كونها تاريخية، وأعتقد أنها ستخرج للنور نهاية هذا العام لأنها تلحّ في الوقت كثيراً، وهي ستحمل عنوان “سليل الذئاب”، أما الشعر فهو بداية الطريق وأحنّ إليه وواثقة بأنه لن يهجرني، ولكن ولادة القصيدة تحتاج المرور بالكثير من التخبط والتناقضات التي قد تنتهي بنص.
*أرى أن لديك ميلاً كبيراً للعودة إلى التاريخ.
**نعم.. التاريخ منطقة مخيفة تبيّن لنا مدى جهلنا بأسلافنا، ولو أعدنا قراءة تاريخ منطقتنا لبكينا طويلاً على أيام ومنجزات سطحية ندعيها لنا. الأسلاف صنعوا أمجاداً لن نستطيع مجتمعين صنع بعض فنونهم وخلقهم للجمال، في حين يبدو تاريخنا اليوم مصنوعاً بشكل فج وسطحي ولا قيمة جمالية تعبره.
أمينة عباس