هل مازالت الأرقام تمتلك أسرارها؟
يقول نيكولا تسلا: “لو عرفنا عظمة الأرقام 3 و6 و9 لامتلكنا مفتاح الكون”. لكن من هو تسلا هذا؟!
هو مخترع وفيزيائي ومهندس ميكانيكي وكهربائي، عُرِفَ بمساهماته الثورية في مجال الكهرومغناطيسية في بدايات القرن العشرين، وضعت براءات اختراعاته وأعماله النظرية الأسس للطاقة الكهربائية ذات التيار المتناوب إضافة إلى اختراعه للمحرك الكهربائي، وساعدت هذه الاختراعات البشر على النهوض بالثورة الصناعية الثانية، وقد أُطلقت عليه عدة تسميات منها “أبو الفيزياء” و”الرجل الذي اخترع القرن العشرين”.
كل هذا الوصف لنقول إن رجلاً بقدرة تسلا وذكائه اعتقد بأن لهذه الأرقام سحرها في الحياة، طبعاً هو لم يكن الوحيد الذي آمن بسر الأعداد وقدرتها العجيبة، بل كانت ثقافة، وحتى عقيدة منتشرة منذ بدء نشوء الحضارات، فاتسمت الأرقام منذ القدم بمنزلة سامية، ولغة الأرقام في مفهوم الشعوب القديمة لغة عسيرة على الإدراك، كانت علماً راقياً مثل الفلسفة والمعارف العميقة الأخرى، وكانوا يتهيبون من علماء الأرقام بوجه خاص، ولعلّ هذا العلم هو الأقدم بين العلوم كافة، فقد وجد منذ بدء الخليقة لأنه كان ركيزة عملية الخلق، لكنه بقي غامضاً لمفاهيم الإنسان، إلى أن نضجت قدراته العقلية وبدأ عصر الفلسفة والازدهار العقلي والحضاري يغزو البلدان والشعوب، ومع هذا التطور تعمّق الإنسان في شتى العلوم واستطاع أن يكشف سر الأرقام وغموض وجودها في الطبيعة والحياة وفي البناء الكوني عامة.
ومع اندثار حضارات وانبثاق أخرى، تنقل علم الأرقام بين البلدان من شعب لآخر، انتقل إلى الهند واستقر فيها، ثم بزغ في حضارة الفراعنة المصريين وازدهر هناك ولاسيما حين مهر العلماء الفراعنة في استعمال المعادلات الرقمية في فن بناء أشهر وأعظم ما شهدت الأرض من هندسة معمارية، بأهرامات مصر التي تحدّت الأزمان بسر صمودها واستمراريتها، فاستعمل المصريون القدماء علم الأرقام في فن العمارة، ولاسيما بناء مراكز المراقبة لحركة النجوم والكواكب، وبالتالي أدخلوا علم العدد والرقم في علم الفلك والتنجيم، ثم انتقل هذا العلم إلى الإغريق بفضل العالم الرياضي فيثاغورس، وقد استعمل الإغريق علم الأرقام في العلوم الرياضية والهندسية وعلى أساسه بدؤوا بتشييد الهياكل والمدرجات والقلاع والمسارح، وانتشر بعدها بين العلماء العرب الذين استقوا الأسرار من الإغريق والهنود، ودمجوها معاً ليتوصلوا لاكتشافات جديدة.
طبعاً يمتلك كلّ شعب فهماً وتقديساً لعدد معيّن أو للأعداد بشكل عام، فمثلاً حظي الرقم سبعة بأهمية كبيرة من خلال عملية بناء وتكريس معابد بلاد ما بين النهرين القديمة والرموز التي مثلتها تلك الطقوس، سواء كانت في المعابد الأرضية أو المدرجة “الزقورة” التي احتوت سبع طبقات كل طبقة بلون معيّن وارتبطت بإله معيّن وبكوكب خاص، كما خُصّص يوم من أيام الأسبوع لكل طبقة منها.
بالعودة إلى تسلا، كان يمتلك القدرة على التخيّل وفي ذهنه يتصور الاختراع خلال “لحظات الوضوح”، وحتى بإمكانه “تحويل” هذه الرؤى وتفكيكها قطعة قطعة، وعرف بالضبط كيفية إعادة إنتاج هذه الرؤى بناءً على التجربة. وكان يحوم ثلاث مرات حول أي بناء قبل دخوله، كما كان ينظف أطباقه بـ 18 منديلاً، ولم يقبل العيش إلا في غرف الفنادق التي تحمل أرقاماً قابلة للقسمة على الرقم 3.
ربما كانت لديه حالة شديدة من الوسواس القهري أو أنه كان مؤمناً بالخرافات، لكنه مع ذلك لم يختر هذه الأرقام بشكل اعتباطي بل لسبب معيّن، لقد ادّعى أن لهذه الأعداد أهمية بالغة، ولم يصغِ إليه أحد، والسؤال: لماذا هذه الأعداد بالذات؟ ما الذي كان يحاول قوله للعالم؟.
يقول تسلا إنه يجب أن نفهم أولاً أننا لم نخلق الرياضيات ولكننا اكتشفنا فقط تلك اللغة والقوانين الكونية، وبغضّ النظر عن ذلك ففي هذا الجزء من الكون الذي نوجد فيه فإن واحداً زائد اثنين سوف تساوي دائماً ثلاثة، وكل ما في الكون يطيع هذا القانون.
عرف تسلا أن هناك نظاماً أساسياً يبدو أن الطبيعة تستجيب له: وهو “قوى النظام الثلاثي”، وقام أيضاً بإجراء عمليات حسابية عديدة عن الأشياء من حوله فقط للتأكد من أن النتيجة المتوقعة ستكون 3 أو رقماً قابلاً للقسمة على 3، علاوة على ذلك، قام بحساب النقاط المعقدة للكوكب، ووجد أن النتيجة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأرقام 3 و6 و9.
ارتبط الرقم 3 في معظم الثقافات بالتقديس، الحياة، التغيّر، التطهير، الولادة، وحتى الحياة الأخرى، وتنتشر اليوم ظاهرة قوانين الجذب، هذه القوانين القديمة الحديثة التي تتحدث عن قدرة الإنسان على جذب ما يحتاجه ويتمناه، ومن يقرأ ويتبحّر في هذا العالم سيجد أن أرقام تسلا واحدة من هذه الطرق، فهل يا ترى تمتلك هذه الأرقام وصفة سحرية وقدرة خارقة؟.
“في اليوم الذي يبدأ العلم فيه بدراسة ما يتعدّى الظواهر الفيزيائية فإنه سيحقق في عقد واحد تقدماً يتجاوز كل ما حقّقه في القرون الماضية من وجوده”.
عُلا أحمد