أقـل مـا يـقـال.. المستهلك يظلم نفسه..!
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
ثمة خلل واضح يرتكبه المستهلك بحق نفسه بسبب سيطرة ثقافة الاستهلاك المرتبطة بالعادات والتقاليد، أو بالحاجة اليومية للمواد والسلع. ويتمثل هذا الخلل بعدم الأخذ بعين الاعتبار مدى مطابقة السلعة للمواصفة، أو، على الأقل، الانتباه إلى بطاقة البيان المرفقة مع السلعة لمعرفة مكوناتها وحيثياتها، إذ يكتفي المستهلك بأحسن الأحوال بالاطلاع على تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية..!.
بمعنى آخر، لا يزال المستهلك لا يعي حقوقه تجاه ما يشتري ويقتني من سلع ومواد، مسنداً هذه المهمة إلى الجهات الرقابية المفترض أن تقوم بحمايته، ما أدى في نهاية المطاف إلى استغلال هذا الوضع من قبل بعض التجار والصناعيين لزج منتجاتهم بأسعار – ربما – تكون منافسة، لكنها للأسف على حساب الجودة والنوعية..!.
وفي الوقت الذي يمكن ردّ منبع هذا الخلل إلى تدني القوة الشرائية، واضطرار المستهلك إلى تأمين حاجاته بغض النظر عن الجودة والمواصفة، يحمّل البعض جمعيات حماية المستهلك مسؤولية التقصير في القيام بدورها التثقيفي تجاه المستهلك، وعدم جديتها بدعوات المقاطعة واقتصارها على مقاطعة السلع والمواد عند ارتفاع أسعارها فقط، دون تحفيز المستهلك على مراقبة الجودة والنوعية ومقاطعتها عند اختلال هذه المعادلة..!.
في المقابل، يرى بعض المراقبين أن للعولمة دوراً كبيراً في التأثير على العادات الاستهلاكية، معتبرين أن التقليد الأعمى هو سيد الموقف في هذه الحالة، علماً أن مجتمعنا يمكن أن يخط لنفسه نهجاً استهلاكياً – إن صح التعبير – يتناسب مع ثقافته وتراثه، وعلى كافة الشركات الإنتاجية المحلية أن تقوم بدراسة السوق المحلية لمعرفة احتياجاته كخطوة استباقية لضخ المنتجات المناسبة المنافسة، من جهة السعر والجودة بالوقت ذاته.
يبرز لدينا، في هذا السياق، من يدعو إلى ضرورة إحداث في كل شركة إنتاجية، عامة كانت أم خاصة، لجنة تختص بإعداد دراسات تطويرية لمنتجاتها وتغيير مواصفاتها من ناحية الشكل واللون، بين الفينة والأخرى، بحيث تنمي وعي المستهلك إزاء النوعية وتلبي رغباته، والمواظبة بشكل مستمر على دراسة السوق لمعرفة أذواق المستهلكين والزبائن المحتملين، وقياس أطوار السلع والمنتجات، وانسيابها في السوق حسب المستهلك، إضافة إلى إحداث قسم خاص للإعلان والقيام بحملات دعاية ضخمة تبرز جودة المنتج بعد تطويره، فمن شأن ذلك أن يعزز ويقوي منافسة المنتج المحلي أمام الأجنبي ما ينعكس إيجاباً على الثقافة الاستهلاكية المحلية..!.
أخيراً.. وعلى وقع سيطرة البيروقراطية والروتين على إدارات الشركات – خاصة العامة منها، والتي لا تزال تتبع سياسة الباب المغلق أمام الشكاوى والاقتراحات والأفكار التطويرية.. إلخ – تفرض الفجوة بين المستهلك والمنتج نفسها في مشهد يوحي بأن المستهلك سيبقى رهن واقع السوق غير المرضي، والذي يزداد تردِّياً مع الصور القاتمة للواقع الحالي الذي تنبئ مؤشراته عن ازدياد في معدلات الفقر والبطالة بين أوساط شريحة واسعة من الشباب، والبطالة المقنعة، وغيرها من الصور التي تستدعي “عمليات جراحية” لا إبراً مخدرة، فكيف لمواد تفتقر إلى أدنى مستويات الجودة – وإن كانت بسعر زهيد – أن تقود السوق إلى تحقيق الرضى الاستهلاكي والربحية المأمولة لدى البائعين الذين ببضائعهم المتواضعة لا يرتقون إلى مستوى المسؤولية عما يروّجون، بينما المسؤولية الاجتماعية تعد العمود الفقري لتوجه اقتصادنا الوطني.