تطبيق “روح القانون” مثار جدل بين مرونة تطبيق الإجراءات واتخاذها ذريعة للتجاوزات
دمشق- ريم ربيع
“العمل بروح القانون” عبارة تتردد كثيراً في مختلف الأوساط بقصد التخفيف من تعقيد الإجراءات وحرفية النص القانوني للوصول إلى مرونة أكبر في إنجاز الأعمال، فهل يمكن اعتبار ذلك المعنى الحقيقي لهذا المصطلح، أم أن روح القانون تحولت إلى ذريعة يطالب بها أي طرف لتيسير أعماله دون إدراك كامل لمعناها؟.
خلال الأسبوع الفائت كان رئيس الحكومة قد أصدر تعميماً للوزراء للعمل بروح النصوص القانونية، وتحقيق الهدف منها، وعدم التقيد بحرفيتها، واستعمال الخيارات المتاحة في النص تبعاً لطبيعة الموضوع، خاصة فيما يتعلق بالمصلحة العامة، وتأمين متطلبات المواطنين، إلا أن هذا التعميم أثار ردود أفعال عديدة بين من اعتبره إيجابياً لجهة تبسيط الإجراءات، ومن تساءل عن معنى العمل بروح القانون، والمفهوم الدقيق لهذا المصطلح؟ إلا أن من تواصلنا معهم من قضاة ومحامين استغربوا توجيه هذا التعميم للوزراء، أي جهة تنفيذية، في حين يعتبر هذا المصطلح مرتبطاً بالوصي على القانون أي الجهات القضائية فقط، فروح القانون هي البحث في أهدافه، وهي قناعة تتجلى عند القاضي بعد تفسير النص، واستخلاص ماهيته، ومعرفة جميع الظروف المحيطة بالدعوى.
أحد الأمثلة على تطبيق روح القانون التعامل مع المدمن، فإن لمس القاضي بالشخص ندمه، أو وجد أن إدمانه كان لسبب قاهر، فهو يجد له مبرراً لإرساله إلى المصح ومعاملته كمريض لا كمجرم، أما إن رفض المدمن العلاج، وأبدى أن إدمانه برغبة منه، يتم سجنه، وهنا يبقى القرار بيد القاضي الحكم ورؤيته لظروف المدمن، وتتعدد الأمثلة الأخرى في جرائم السرقة مثلاً، أو القتل، إذ تلعب ظروف الجرم جميعها دوراً في تشديد أو تخفيف الحكم على المتهم، أما في القوانين الإدارية فلا مجال لتطبيق روح القانون كونها نصوصاً جامدة.
المحامي فواز الخوجة وصف التعميم بالهلامي، فهو لم يحدد المقصد بروح القانون، وبالتالي ترك مجالاً واسعاً للتأويل، كما أنه لم يفصّل في المبررات والمسوغات لإصداره، فيمكن لأية وزارة تطبيقه من منظورها الشخصي، وبالتأكيد لن يخلو الأمر من التجاوزات والاستثناءات، معتبراً أن عبارة روح القانون يمكن أن تكون فضفاضة، فالقوانين نصوص جامدة، والتطبيق العملي لها هو ما يحدد مدى عدالتها وتوافقها مع الطبيعة البشرية، أي أن العدالة الحقيقية ليست بروح القانون أو بحرفيته، وإنما بتطبيق القاضي لنص القانون، وبالتالي أولى خطوات تحقيق العدالة منح القاضي مجاله وحريته في تطبيق القانون.
وبيّن الخوجة أنه في القضاء المدني والإداري عموماً لا يوجد مجال لتطبيق روح القانون كما في القضاء الجزائي، فالقوانين الإدارية جامدة ومرتبطة بالنص بشكل وثيق، كما أنه لا اجتهاد في محضر النص في القضاء المدني، أما في القضاء الجزائي فيمكن للقاضي أن يجتهد ويرى القضية من منظور إنساني بعد الاطلاع على كافة حيثياتها ليكون حكمه في النهاية عادلاً ومقدراً لجميع الظروف، متسائلاً: كيف يمكن تطبيق روح القانون في قانون الاستملاك مثلاً، أو قانون المصارف، أو المرسوم 13 المتعلق بالتهريب، وهي جميعها بالأساس تتطلب تعديلات جذرية إن كان المقصد هو الوصول للعدالة، مؤكداً أنه إذا كان الهدف هو تبسيط الإجراءات فهذا ممكن عبر اختصار بعض الإجراءات الإدارية غير اللازمة، أو عدد العاملين في إجراء معين، فالقانون وجد لخدمة الإنسان وليس العكس.