حسين نازك: القدس مسقط رأسي وسورية هي العشق
تحتفي أوركسترا الموسيقى الشرقية بقيادة المايسترو نزيه أسعد بأعمال الملحن حسين نازك كقامة فنيّة كبيرة من خلال حفل تقيمه اليوم في دار الأسد للثقافة والفنون. وعلى هامش التحضير لهذا الحفل حاورت “البعث” الفنان حسين نازك الذي سيكون بين الحاضرين للحديث عن مسيرته الغنيّة في مجال الموسيقى التي أخلص لها ومازال.
*مسيرة حياة كانت فيها الموسيقى الغاية والهدف، فماذا عن البدايات؟.
**في القدس التي ولدت فيها وفي مرحلة مبكرة بدأت بتلقي العلوم الموسيقية في معاهدها بتشجيع من والدي، فدرستُ علوم الموسيقى الغربية والتوزيع الموسيقي وأصول التأليف والتلحين وقيادة الأوركسترا على يد أستاذي الأول الموسيقار يوسف خاشو صاحب سيمفونية “القدس” إلى أن قرّر أهلي عام 1967 النزوح إلى عمّان، وفيها تابعت تعليمي الموسيقي بعلوم الموسيقى الشرقية بمساندة الراحل يحيى السعودي الذي كان في إذاعة عمان، فاستكملت على يديه ما أحتاج إليه من علوم الموسيقى الشرقية والغربية لأبدأ بعد ذلك مسيرة طويلة في التأليف والتلحين والتوزيع، وفي العام 1969 وكان عمري 27 عاماً توجّهتُ إلى دمشق التي شهدت انطلاقتي من خلال عملي عازفاً على مختلف الآلات في مختلف الفرق الموسيقية الغربية والشرقية، وفي الإذاعة والتلفزيون السوري وبرامجهما المنوعة، ومن خلال عملي مع فرقة المطربة ميادة لحنتُ لها بعض أغنيات الجاز التي حقّقت شعبية كبيرة في بداية السبعينيات، ومشاركتي كعازف على آلة الساكسفون وغيرها من الآلات مع فرقة التايغرز لموسيقى الجاز.
*متى بدأتَ تفكر جدياً بنشر التراث الفلسطيني؟ وكيف كانت الخطوة الأولى؟.
**النجاح السابق لم يرضِني، ولأنني أملك ذاكرة موسيقية غنيّة بدأت أفكر بنشر التراث الفلسطيني، مستعيناً بالفلسطينيين المعمّرين في دمشق، وكانت الخطوة العملية بتأسيس فرقة أغاني العاشقين عام 1976 التي كانت كل أغانيها عن فلسطين والقضية الفلسطينية والتي قدّمت أولى حفلاتها عام 1977 بالاستعانة بأشعار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيّاد وراشد حسين وأحمد دحبور وأبو الصادق، وفي العام 1978 قدّمت الفرقة أربعاً وعشرين أغنية سُجلت على أقراص C.D التي وثقت بها ما يحدث في المنطقة، وقد شاركت هذه الفرقة في العديد من المهرجانات العربية والدولية مثل مهرجان الأغنية السياسية في هلسنكي عام 1978، وأسبوع التضامن مع الشعب الفلسطيني عام 1980 في موسكو، ومهرجان قرطاج الدولي للفنون في تونس عام 1981، ومهرجان أغنية البحر المتوسط في بنزرت، ومهرجان الأغنية الشعبية الملتزمة في برلين عام 1982 وغيرها من المهرجانات، وقد ساهمت الفرقة بانتشار الأغاني الشعبية والوطنية الفلسطينية في الوطن العربي وبعض الدول الأوربية، وساعد توزيع أقراص الـ C.D التي تضمّ تلك الأغاني في انتشارها على نطاق واسع إلى أن انفرط عقدها عام 1985 مع الإشارة إلى أن أول ألبوم للفرقة صدر عام 1978 تحت عنوان “بأم عيني” لتتتالى بعد ذلك ألبومات: ما بعد، المدن الفلسطينية الذي ضمّ 32 أغنية، الكلام المباح، ربيع العاشقين، أغاني الديرة والعديد من الأغاني المتفرقة المنفردة “single”.
*كيف تفسّر نجاح هذه الفرقة؟ ولماذا لم تستمر على الرغم من محاولة إحيائها في فترة من الفترات؟.
**فرقة أغاني العاشقين هي مرحلة من العطاء، وأهم أسباب نجاحها الابتعاد عن أن تكون فرقة إعلامية تتغنّى بالأشخاص أو القيادات، بل كان عملها ثقافياً فنياً، يتحدث عن أحداث ووقائع وبطولات شعبنا وشهدائه، كما ابتعدت عن الشكل التقليدي للفرق الأخرى، بعيداً عن الورق والكراسي على المسرح، تؤدي موادها عن ظهر قلب وبتلقائية وبلا حواجز مع المتلقين، فيشاركها الجميع الأداء مما يضفي على حضورها الحميمية والمصداقية، أما حول عودتها فالفرق كما الأفراد لها عمر معيّن، وهنالك عشرات الفرق داخل الوطن وخارجه تؤدي مهامها وأغانيها، حتى في أوروبا، ومنها من تتواصل معي، لذلك أنا لم أتوقف بتوقف الفرقة وتابعت عملي وقد سجلت لمجموعة في لندن تُسمّى العاشقين أوربا وألبوماً كاملاً وجديداً باسم “ربيع العاشقين”، كما سجلت لفرقة من جنين ألبوماً آخر تمّ تنفيذه بين دمشق وعمّان باسم أغاني الديرة وغيرها، وكلّ ذلك هو استمرار لمسيرة أغاني العاشقين، إضافة إلى ما أنجزته في البرنامج الغنائي المصور “شموع ليلة مقدسية” والمغناة المسرحية “واسطة العقد” التي تمّ تصويرها وتضم 33 لحناً غنائياً والعديد من الأغنيات المنفردة.
*توليتَ منذ العام 2015 مهمة إحياء وجمع وإعادة تأهيل التراث الفلسطيني كمدير تنفيذي للمشروع من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فأين وصلت بهذا المشروع؟.
**مشروع إحياء التراث الفلسطيني الفلكلوري كان بمبادرة مني مع اللجنة الوطنية الفلسطينية للثقافة والتراث، وقد حظي لاحقاً برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وقطع المشروع شوطاً بعيداً في الإنجاز والبرمجة والمنهجية، ولكن لصعوبة التواصل والاتصال بالمحيط العربي بسبب الكورونا وغيرها أصبح الآن شبه متوقف.
*ما بين التأليف والتلحين والتوزيع، أية محطة من هذه المحطات احتلت المرتبة الأولى في مسيرتك؟.
**التأليف والتوزيع والتلحين عملية واحدة تكاملية، فإن كان المبدع يمتلك مهنياً هذه الخصائص فالتوزيع ليس إضافات تزيينية للحن بل هو توظيف لكل مفردة وآلة، والعمل الأوركسترالي أشبه بتوزيع الأدوار على الممثلين، لكل واحد دوره المنفرد ودوره مع المجموع لتكتمل الحكاية، وما يتمّ اليوم هو تنفيذ موسيقي على الأغلب وليس توزيعاً أوركسترالياً.
*أسّستَ فرقة زنوبيا القومية الحديثة عام 1985 التي استمرت لغاية العام 2002 حدّثنا عنها، وهل تتفق مع من يقول إن إلغاءها كان عملاً خاطئاً؟.
**بتكليف من د. نجاح العطار طُلب مني تشكيل فرقة فنون رديفة لفرقة أمية العريقة في وزارة الثقافة، وقبل المباشرة وضعت خطة عمل منهجية وبرامجية وتنفيذية للعمل بحيث تكون مختلفة شكلاً ومضموناً عن فرقة أمية كمبرّر لوجودها، وهذا ما تمّ فعلاً، فيما كانت أمية هي الوثيقة الحيّة للتراث الشعبي أصبحت مهمة الفرقة الحديثة الاستفادة من مفردات التراث في اللحن والكلمة واللباس والحركة كحالة إبداعية متجددة تتناول الأصالة، لتتصل بالمعاصرة وتجدّد الإبداع الفلكلوري بلغة عصرية، وهذا ما كان. لقد كان نجاح زنوبيا كاسحاً محلياً وعربياً وعالمياً، لكن تغيّر الإدارات المتعاقبة أتعبني وأتعب الكوادر من موسيقيين ومغنين وراقصين، حتى أتت رصاصة الرحمة.
*ما تقييمك اليوم لما يُقدّم تحت مسمّى أغنيات وطنية؟.
**بالنسبة للأغاني الوطنية هي نتاج لدفق عاطفي وأخلاقي وإحساس بالمسؤولية من المبدعين، فإن كان هذا هو الدافع للعمل وإنتاج أغنية أو نشيد فمن المؤكد أن ذلك سيكون ناجحاً ومقبولاً من المتلقي، إما إن كان الدافع عملية ارتزاق فسيتبخر من ذاكرة حتى من كتبه ولحّنه.
*وما تقييمك للأغنية السورية اليوم؟.
**الأغنية السورية تأثرت مهنياً بالأوضاع السائدة، تماماً كالدراما التلفزيونية والسينما والمسرح والفنون الأخرى، وساعدت في ما يشبه التدهور التقنيات الحديثة التي يُساء استخدامها، مما أفقد الإبداع بريقه الذي لا يظهر إلا بالعمل اليدوي عزفاً وهندسة وأداء.
*توزعت مسيرة حياتك بين القدس والأردن وسورية.. اليوم وفي هذا العمر إلى أية مرحلة تحنّ أكثر، ولماذا؟.
**القدس موطني ومسقط رأسي، والأردن مرتع الصبا والشباب والهوية، أما سورية فهي الهوى والعشق وهي التي كانت صانعة لتألقي الموسيقي، فمنها انطلقت أعمالي إلى بيروت وبغداد والكويت والقاهرة وتونس والجزائر والرباط ودبي عربياً، وأثينا ولندن وبون وبرلين وغيرها عالمياً بأعمال كبيرة ومميزة مع فرق وعازفين وكورال واستوديوهات مميزة وكبيرة.
أناشيد قومية وأغنيات للأطفال
يُذكر أن الملحن حسين نازك ألف ووزع موسيقى نحو 32 مسلسلاً سورياً ولبنانياً وأردنياً مثل: “انتقام الزباء”، “طبول الحرية”، “حرب السنوات الأربع”، إضافة إلى تأليف وتلحين أغاني الكثير من المسلسلات والبرامج الخاصة بالأطفال: “افتح ياسمسم”، “المناهل” وفيلم “عروس البحيرة”، كما اهتمّ بالأناشيد القومية التي شاعت وانتشرت في بلاد الشام في الفترة بين 1932- 1947، حيث قام بإعادة توزيع تلك الأناشيد “بلاد العرب أوطاني”، “في سبيل المجد”، “نحن الشباب”، و”نشيد حماة الديار”، وهو عضو في المكتب التنفيذي للمجمع العربي للموسيقى ومجلس الموسيقى الدولية والجمعية الأميركية للملحنين والناشرين، كرمته وزارة الثقافة عدة مرات وهو حاصل على عددٍ من الجوائز: الجائزة الأولى لأفضل توزيع أوركسترالي لنشيد (بلاد العرب أوطاني)، وجائزة أفضل استخدام موسيقى للتراث العربي من مهرجان قرطاج 1980، وجائزتين ذهبيتين من اليابان لأفضل عرض موسيقي ياباني من موسيقى غير يابانية.
أمينة عباس