وداعاً لعام الوباء 2020
ترجمة: هناء شروف
عن الفاينينشال تايمز
قبل قرن من الزمن، وضع العالم وباء الأنفلونزا 1918-1920 خلفه. كان وباء الأنفلونزا الإسبانية واحداً من أكثر الأوبئة فتكاً في التاريخ، وجاء بعد الحرب العالمية الأولى، التي كانت بدورها واحدة من أكثر النزاعات المسلحة فتكاً، ولكن نهاية وباء الأنفلونزا الإسبانية أفسحت المجال لأعوام تميّزت بصخبها الاجتماعي وإقبالها على اللهو والإنفاق، وجاءت بعد سنوات الوباء سنوات من الاستهلاك والموسيقى الجديدة والفن والموضة وإشباع الرغبات الذاتية واحتضان الحرية.
هل يمكننا أن نتوقع مع نهاية عام 2020 أن ينتج قرننا أيضاً عشرينيات صاخبة؟، مع الأخذ في الاعتبار أن عشرينيات القرن العشرين وحلمها انتهت مع الكساد الكبير، فهل هناك أي شيء يمكننا القيام به لضمان الاستمتاع دون معاناة تبعات ذلك؟.
إنّ التطور الهائل للعديد من اللقاحات الفعّالة يشير إلى أنه يمكننا بالفعل إنهاء وباء فيروس كورونا في عام 2021، ومن السهل العثور على أسباب اقتصادية تجعل عام 2021 عاماً من النمو الوفير بعد أن كان الإغلاق الوبائي هو أندر حالات الكساد الاقتصادي، حيث تتوقع الحكومات إزالة هذه القيود في اللحظة التي يكون فيها ذلك آمناً وحدوث انتعاش سريع في الاقتصاد.
عند انحسار الوباء سيكون الطلب على السلع والسهر والسفر وفيراً، والذين منعهم الإغلاق من الإنفاق بقدر ما اعتادوا، نظراً لإغلاق المتاجر والمطاعم وإلغاء وسائل الترفيه والعطلات، سيعودون إلى نشاطهم الإنفاقي فور انحسار الوباء وعودة المتاجر إلى العمل.
هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن عقداً من النمو القويّ والحماس الاجتماعي ينتظرنا، حيث سيتمّ مع نهاية الوباء تحرير الكثير من الرغبات المكبوتة، ومن المرجح أن يظل دعم السياسات لنمو الطلب القويّ -العجز الحكومي والسياسة النقدية المتساهلة للغاية- في مكانه لبعض الوقت. لقد أصابت قيود الصحة العامة الطرف الأكثر متعة من طيف الاستهلاك: ما توقفنا عن فعله هو الأكل معاً، الشرب معاً، الترفيه عن بعضنا البعض والذهاب في عطلة معاً.
ليست الأرقام فقط هي التي تشير إلى ازدهار المستهلك، وليس عليك أن تكون خبيراً اقتصادياً، بل بشر فقط لتفهم الرغبة في الانطلاق والالتقاء والمجازفة بعد عام من الانغلاق الحذر في المنزل والابتعاد عن بعضنا البعض.
هذه الثقة المتفائلة هي العنصر الأكثر مراوغة للنمو الاقتصادي، يمكن أن يحفّز الإيمان بالأوقات الجيدة المستهلكين على القيام بعمليات شراء أكبر، والشركات على الاستثمار بقدرة أكبر، والعاملين على التدريب من أجل وظائف أفضل، وحتى العائلات لإنجاب المزيد من الأطفال، كلّ هذا من شأنه أن يساهم في انتعاش دائم في النمو.
هذا هو السيناريو المتفائل، إذن ما الخطأ الذي قد يحدث؟. يمكن للعديد من الأشياء أن تحدث ولكن أكثرها إلحاحاً هو ذعر صانعي السياسة وتضييق الخناق على الانتعاش قبل أن يتاح الوقت للتحوّل إلى طفرة. على سبيل المثال لم تحتفل المملكة المتحدة بفترة العشرينيات الصاخبة من القرن الماضي إلى حدّ كبير بسبب السياسة النقدية الكارثية، أما الخطر الآخر فهو الثقة والحماسة!.
قد تواجه عمليات طرح اللقاح مشكلات أو تستغرق وقتاً طويلاً، أو قد تعني الطفرات الجديدة أن الفيروس يبقى معنا كخطر كامن لجعل الناس يتصرفون بحذر في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، لكن حتى لو هُزِم الوباء فإن الندوب النفسية الناتجة عن الأحداث غير المسبوقة في العام الماضي قد تجعل الناس أكثر حذراً بشكل دائم.
لقد باتت معدلات الادخار اليوم ليست عالمية، حتى الذين يحدّون من الإنفاق بتكديس أكوام نقدية، فإنهم غير قادرين على العمل وسيستنزفون المدخرات التي قد تكون لديهم. صحيح أن تدابير السياسة المؤقتة نجحت في درء حالات الإفلاس، لكن العديد من الشركات ستظلّ غارقة في أعماق المياه بحيث لا يمكنها العودة إلى قيد الحياة، لكن مرة أخرى، وراء علم الاقتصاد يكمن علم النفس.