رحم للإيجار.. التنازع الأوّل من نوعه في الطريق إلى القضاء السوري!
دمشق – لينا عدرة
قضية جريئة وخطيرة، وتكاد تكون الوحيدة من نوعها أمام القضاء السوري، تتعلّق بتثبيت نسب، ولكن تثبيت نسب لــ من؟!!
هي قصة زوجين قررا “استئجار” رحم بديل بسبب مشكلة صحية تعاني منها الزوجة تمنعها من الحمل، وبالفعل تمّ الاتفاق مع سيدة لاستئجار رحمها، ومن هنا بدأ النزاع الحقيقي بين سيدتين، الأولى هي الأم التي تبرعت بالبويضة الملقحة، والثانية الأم التي احتضنت هذه البويضة في رحمها، “وكبر الجنين من نطفة وعظام ودم وروح”.. إذن، وقع المحظور، وتمّ الحمل ونتج عنه طفل وبدأ النزاع.
قبلت السيدة الحاضنة من أجل المال وتنازلت مسبقاً عن حقها في الأمومة – إن جاز التعبير – ولكن على ما يبدو أن غريزة الأمومة تحركت بداخلها أثناء فترة الحمل، وكان الاتفاق انتهاء دورها بعد الولادة بفترة قصيرة، ولكن ما حدث كان العكس، وتمسكت بالطفل.
استمر النزاع وبعد مفاوضات تمّ رفع “السعر”، وخضع الأمر للـ “بازار”، وتحوّل الموضوع إلى “بيع طفل”، واستمرت الأم الحاضنة بالمواربة، مع العلم أن الزوجين اللذين قاما باستئجار رحم تلك السيدة هما من تكفلا بكل مصاريف الطفل، والمحصلة هي “تربية مشتركة بين الطرفين”، والنتيجة عملية اختلاط أنساب، وقد يسأل أحدهم في حال تمّ إجراء فحص DNA ما هي نتيجته؟
المحامي منيب هائل اليوسفي ردَّ الأمر إلى ناحيتين: قانونية وشرعية، فمن الناحية الشرعية الأم هي من تلد، موضحاً حساسية مثل هكذا قضايا، ومؤكداً على عدم تجاهلها أو اعتبارها فانتازيا أو ترفاً فكرياً، لأنها حقيقة حدثت، وقد تتكرّر، وستؤدي إلى مشكلات معقدة، إذا لم يجتمع رجال القانون على مخرج، إما بالتحريم أو العقاب، أو أن يعتبر أن الأم التي تبرعت بالبويضة قد تنازلت عن حقها، مضيفاً بشيءٍ من التفصيل عن وضع المرأة الحاضنة: هل هي متزوجة أو مطلقة؟ أو لنفرض أنها توفيت، هل سيرث الطفل منها؟ وإذا كان لديه إخوة هل سيُعفى من الخدمة الإلزامية؟ وهناك احتمال آخر بأن تنقسم البويضة لينتج عنها توءم، وهذا أمر لا يمكن التكهن به. ويضيف الأستاذ اليوسفي أن هناك إشارات استفهام كثيرة، وكل الاحتمالات القائمة خطيرة، لذلك يجب أن يكون هناك موقف واضح للمُشَّرِع السوري من هذا الأمر، وإلاَّ سيقع المجتمع في بؤرة خطيرة ستُهدّدُ كيانهُ! موضحاً أن تسليط الضوء على هذا الموضوع يعود لخطورته وحساسيته، لذلك فإن طرح المزيد من الأسئلة سيزيد الأمر تعقيداً، ولكن طرحنا للقضية من باب لفت النظر لأصحاب الشأن والخبرة، لأنه وفي حال كان الحكم لمصلحة الأم الحاضنة فسيُعتبر الطفل “بحكم اللقيط”!. البعض يعتبر أن مثل هذا النوع من القضايا نادر وغير جدير بالبحث، ولكن أؤكد – والكلام ما زال لليوسفي – أنها في المستقبل القريب ستصبح الشغل الشاغل لرجال الفكر والقانون. أضف إلى ذلك أنه: منذ متى كانت كثرة القضايا أو قلتها السبب في الأولوية أو الأهمية لدى المُشرّع أو واضع القانون؟!
ختاماً.. قد تكون الحرب أحد أسباب ظهور مثل هذه القضايا، ولكن لا يمكن اعتبار الحرب سبباً رئيسياً، وجعلها شمَّاعة لكل شيء، فالتقدم التكنولوجي والتطور العلمي يفرضان علينا أموراً كثيرة تقف أمامها النصوص القانونية عاجزةً أحياناً عن الحل، وكما هو معروف، وُجد القانون لحل المشكلات الاجتماعية والإنسانية، لذلك يفترض أن يكون مُلِّماً بكل الحالات، أما اختراع حلول مؤقتة في بعض الحالات فلن يكون إلَّا نوعاً من الـ”تخريجات” التي لا تتعدى كونها مسكنات، مسكنات بكل تأكيد وليست علاجاً لمشكلة اجتماعية وأخلاقية وإنسانية وقانونية، ولربما اقتصادية حقيقية.
ولا بدَّ من الإشارة أخيراً إلى أننا نتحفّظ عن ذكر تفاصيل القضية احتراماً لخصوصية أصحاب العلاقة ونزولا عند مقتضيات إجراءات التقاضي.