لماذا كل هذا الصمت؟
علي اليوسف
تطلب المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة امتناع جميع الدول في علاقاتها الدولية عن التهديد باستخدام القوة، أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة.
هذا الميثاق لا ينطبق بأي حال على النظام التركي الذي يحتل مناطق واسعة في الشمال السوري تحت ذرائع وحجج واهية لتنفيذ أوهامه العثمانية، وحتى الحجة بأنه يسعى للقضاء على ما يُسمّى حزب “العمال الكردستاني” ليست بأي حال من الأحوال متوافقةً مع التزام تركيا بتسوية النزاعات سلمياً.
حتى الآن لم يُظهر النظام التركي التزاماً باستهداف الإرهابيين، بغضّ النظر عن مسمياتهم، ولم بنفّذ أي من تفاهمات سوتشي أو أستانا، بل بات تدخله نمطاً راسخاً منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية، الأمر الذي لاحظه العديد من الخبراء والمحلّلين على مدار السنوات الماضية. وتمّ التوثيق جيداً بأن إرهابيي تنظيم “داعش” قد مُنحوا حرية الوصول إلى الحدود التركية، وأن تركيا قد زوّدت الإرهابيين بالأسلحة، وقدّمت الدعم المالي والتدريبي للجماعات الإرهابية. ولكن لم يصدر الناتو أبداً بياناً يعارض هذا الشكل غير القانوني والمدمّر من العمل، ما يعني أن صمته هو بمثابة موافقة ضمنية على العدوان التركي. وبدلاً من استخدام موقعه وصوته لانتقاد سلوك نظام أردوغان، أشاد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أكثر من مرة بـ”مساهمات تركيا في الناتو”، لذلك ما يحتاجه الناتو والدول الأعضاء فيه، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، إدانة هذا النمط من العدوان على سيادة الدول المستقلة كـ سوريةـ العضو المؤسّس في الأمم المتحدة، وإرغام أردوغان بحزم على وقف جميع الأعمال العدائية ضدها.
وعلاوة على التدخل التركي السافر في شؤون دول الجوار، نرى أردوغان في كل مناسبة يطلق تصريحات لا ينبغي الاستخفاف بها حول انتماء عدد من المناطق مثل الموصل وكركوك إلى تركيا، الأمر الذي يكشف عن نوايا رأس النظام التركي بضمّ أجزاء من سورية والعراق إليها، وخاصة مع تكثيف النظام التركي عمليات التتريك الممنهجة في المناطق التي احتلتها قواته في شمال سورية، مستنداً إلى أدواته من التنظيمات الإرهابية التي تنفذ أجنداته العثمانية، وتهجير مئات الآلاف من السوريين من منازلهم، وإجراء عمليات توطين منظمة للإرهابيين وعائلاتهم، فيما تتنكر دول الناتو، الداعمة لإجرام أردوغان، لشعاراتها ومزاعمها الإنسانية وتصمت أمام مثل جرائمه وسرقات الموصوفة لثروات سورية. تقول صحيفة “المونيتور” في مقالة لها: “الظاهرة المقلقة المتعلقة بوجود القوات البرية التركية داخل سورية والعراق لم تناقش كثيراً، وهو وضع ينظر إليه العديد على أنه احتلال أجنبي”. لكن حتى الآن لا تظهر أنقرة أي بوادر على الاستجابة للنداءات، وعلى رأسها سحب القوات الخاصة التركية من سورية والعراق.
إن نظام أردوغان “الواهم بإحياء السلطنة العثمانية” يسعى لتتريك المنطقة، والسيطرة عليها اقتصادياً وثقافياً، بعد احتلالها جغرافياً، ولكنه لن ولن يستطيع أن تحقيق أوهامه، فكما استطاعت سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، إفشال المخطط الصهيوأمريكي، واستعادة أغلب أراضيها من الإرهاب، فهي مصممة اليوم على استعادة كل شبر من أرضها يحتله إرهابي أو عميل أو محتل، تركي أو صهيوني.