تحقيقاتصحيفة البعث

قمامة طرطوس تضيق بـ “وادي الهدة” وطروحات عديدة للمعالجة والاستثمار!

عند بدء العمل بمركز فرز النفايات الصلبة في وادي الهدة بمنطقة صافيتا عام 2014، استبشر أهالي طرطوس خيراً بحل جذري لمشكلة القمامة لديهم، فالمعمل بطاقة تشغيله القصوى تم تجهيزه ليستقبل 630 طناً من النفايات يومياً، و”التهام” قمامة المحافظة إلى غير رجعة، إضافة لتخليص أهالي محافظة طرطوس من كل المكبات العشوائية المتواجدة في القرى والبلدات، ولكن بعد سنوات من هذا الإنجاز، بدا أن المشكلة التي تم حلها في بعض الأماكن ظهرت في مكان جديد، وهو معمل الفرز نفسه، والقمامة التي اعتقد البعض أنها ستختفي إلى غير رجعة فاضت عن قدرة المركز، وطاقة محطة المعالجة، فتراكمت مرفوضاتها يوماً بعد يوم، وعاماً بعد آخر في “المطامر” المخصصة لها، لتنذر بمشكلات بيئية عديدة، وكارثة تلوث المياه الجوفية في المناطق المجاورة، إضافة لوضع العمال وظروف العمل لديهم، وسط أكوام القمامة المتكدسة من كل أنحاء المحافظة، لتبدأ النداءات بعدها بإيقاف العمل بالمركز، أو نقل نفايات المحافظة لمكان آخر، وتكثر المناقشات والحلول للمشكلة المتفاقمة دون حل نهائي أو نتيجة.

معمل وليس محرقة

جولة البعث إلى مركز المعالجة في وادي الهدة بيّن خلالها المهندس وسام عيسى، مدير النفايات الصلبة في المحافظة، نقاطاً عديدة بخصوص المشكلات المثارة حول المركز، فالمركز الذي تم تدشينه في عام 2014 صمم ليكون معمل فرز يدوياً وميكانيكياً، ومحطة بيولوجية لإنتاج السماد العضوي، إضافة للقسم السطحي الذي جهز لاستقبال المرفوضات للاستفادة منها، وتحويلها إلى وقود، لكنه في المحصلة مركز معالجة ذو قدرة واستيعاب محددين، وليس محرقة، أو محطة لتوليد الطاقة، أو آلة سحرية تلتهم القمامة كما كان يعتقد البعض، والمرفوضات لا يمكن أن تختفي، وحتى المحرقة تنتج عنها مخلفات ضارة جداً، فالقمامة بمرور الأعوام سببت مشكلات مختلفة عملنا على حلها بحلول مؤقتة، وأخرى دائمة ضمن ملف شائك جداً، وبالنسبة للمركز فمنذ عام 2018 لم يطرأ على أقسامه أي تعديل، وهو بعمر افتراضي محدد، ولكن رغم هذا لا يمكن إيقاف المعمل، فـ 60% من البلديات تنتهي قمامتها إليه، ويضيف عيسى: صحيح أن معاناة بلدة يحمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ولكن ينبغي عدم تجاهل ما تم إنجازه في بلدات أخرى، وكيف تم إغلاق مكبات النفايات العشوائية البالغ عددها 35 مكباً ومطمراً، (مطمر في الصفصافة والدريكيش، وصافيتا، والشيخ بدر مقابل المشفى، والقدموس بأماكن سياحية، وغيرها)، حتى نفايات المدينة يتم التعامل معها في المركز، فالمعمل قدم فوائد إيجابية كثيرة لا ينبغي إغفال الحديث عنها.

ما الحل إذاً؟!

مشكلة طرطوس أنها لا تحتوي أماكن بعيدة بشكل كلي عن التجمع العمراني والبيئة، يؤكد مدير النفايات الصلبة هذا الواقع في إطار حديثه عن الشكاوى المتكررة، والتلوث الذي يتسبب به مركز وادي الهدة، فلا يمكن الحديث عن معمل النفايات دون الحديث عن التلوث، فهذا الأمر طبيعي إن كان تحت المراقبة والسيطرة، وهو ما نعمل عليه، وأكثر ما يتم الحديث عنه هو مشكلة الروائح المنبعثة من المعمل، وهو أمر نعالجه صيفاً بالطمر اليومي، وساعد به وجود كسارات بالمناطق المجاورة، ولكن في الشتاء الطمر قليل، وكذلك مشكلة الروائح، وحول الرشاحة التي تأتي من المطمر وتتسرب في الأراضي المجاورة باتجاه بلدة يحمور، أكد عيسى أنه تم القيام بتدويرها وقطعها عن يحمور، مؤكداً عدم وجود تلوث بمياه الشرب إطلاقاً، وبيّن عيسى أن مديرية النفايات الصلبة تقوم أيضاً بعدة إجراءات من شأنها الحد من تلوث البيئة المحيطة بالرشاحة الناتجة عن المعمل وعن المطمر، حيث تم مؤخراً التعاون مع جامعة تشرين، وبرنامج منظمة الأمم المتحدة الإنمائي UNDP  من أجل إمكانية تقديم وتصنيع محطة معالجة للرشاحة لتكون ضمن خطة عام 2021، تتم من خلالها معالجة المياه الناتجة عن الرشاحة، وتحويلها لمياه نظيفة غير ضارة بالبيئة، وعندما تنفذ وحدة المعالجة هذه يكون قد تم حل المشكلة بالكامل.

أكثر من عرض

وبيّن عيسى أنه مع تلك الحلول المؤقتة والإسعافية بدأنا نفكر بأكثر من حل بعيد المدى للمعمل، حيث جاءتنا عروض استثمار للمعمل بشكل كامل مع بدل أو مقابل سنوي، وتطوير المعمل، والقيام بصيانته، وكذلك هناك عرض من شركة أخرى على مستوى أكثر من محافظة هي: (طرطوس، اللاذقية، ريف دمشق، ودمشق) لاستثمار النفايات في سورية واستخراج الكهرباء منها، حيث قمنا بحضور اجتماع موسع في دمشق لعرض آلية العمل، وشكّلنا لجنة لدراسة العرضين المقدمين لطرطوس، أولهما استثمار المعمل، والثاني إنتاج الطاقة من النفايات بطريقة التحلل الحراري (التغويز)، إذاً هناك مجموعة عروض تتم دراستها، وهناك خيار آخر نعمل عليه هو الترحيل إلى حمص، للمنطقة التي تم تخصيصنا بها سابقاً، لكنها بحاجة لبعض العمل، وتجهيز الأرض والمنطقة، فالبادية مكان مثالي لطمر النفايات، وهي بعيدة 100 كيلومتر عن أقرب بيت، علماً أن كلفة النقل تعادل كلفة الاستثمار: (رواتب العمال، والمحروقات التي يستهلكها المعمل، والصيانات).

الأكثر ملاءمة

توليد الطاقة أفضل الحلول، ولكن هل هو واقعي؟! يتساءل مدير النفايات الصلبة في إطار الحديث معه عن أفضل الحلول المنتظرة لمعالجة مشكلة نفايات طرطوس، ويقول: بانتظار بدء عمل جدي، يمكن أن نستمر بالحلول التي بدأنا بها، فبعد أن أخذنا الأرض في بادية حمص، نحتاج تقريباً لمدة سنتين تقريباً ريثما يتم تجهيز المستلزمات اللازمة للنقل بالقطار، ونقل النفايات لحمص، لتصبح محافظة طرطوس خالية من النفايات، فالمعمل بطاقته الحالية لم يعد قادراً على الاستيعاب الكلي للنفايات نتيجة زيادة عدد السكان، وتقادم الآلات، وقرب انتهاء عمر التشغيل الافتراضي، ولكن حتى هذا الوقت، يمكن الاستمرار بالحلول التي نعمل بها بتسليم فرز القمامة لمستثمرين لديهم طاقم عمال خاص بهم، ويدفعون بدلاً سنوياً، وهذا الأمر يساهم بتحسين جودة الفرز، ويخفف العبء عن عمالنا، كما يمكن أن يحصلوا هم أيضاً على حوافز إضافية من أولئك المستثمرين، كذلك نقوم بتقديم كتب لوزارة الصناعة للاستفادة من مخرجات المعالجة، وتحويلها لمواد في صناعة الاسمنت.

مشاكل عمل وعمال

لقاء آخر جمعنا مع رئيس نقابة الدولة والبلديات علي زين، ورئيسة اللجنة النقابية في المركز نادية سليمان، تحدثا فيه عن ضرورة تقديم ما يلزم لعمال المركز لظروف العمل السيئة جداً التي يعملون بها، حيث تم الحديث عن لقاحات لم تؤخذ لأكثر من عام، في المقابل أكد مدير النفايات الصلبة عند عرض هذه الإشكالية أنه تم تنفيذ نقطة طبية ضمن المعمل تابعة لمستوصف الزرقات، ودربنا عمالاً لتقديم الحلول الإسعافية، وتم الكشف عليها، وهي من أفضل النقاط، ولكل عامل بطاقة ضمان صحي، لكن هذه البطاقة تحتاج لتعديل ضمن الظروف الحالية، وحول وجبة الطعام أكد أنه تم رفعها مؤخراً ودخلت حيز التنفيذ، وهي 9000 ليرة شهرياً، ونتابع المشاكل الأخرى حول طبيعة العمل واللباس والطبابة وغيرها، وأضاف عيسى: قمنا بإحضار سيارة للنفايات الطبية، وتم تجهيزها ببطاقة محروقات وسائق، وسيتم ترحيل كل النفايات الطبية، وهذا يخفف كثيراً من مشكلات العمل، وفرز هذه النفايات، ومن المشكلات الأخرى أيضاً مشكلة الآليات وقلة عددها لمحطات الترحيل والمركز.

محمد محمود