أبرز إنجازات ترامب.. صناعة الأعداء والتخلي عن الاتفاقات!
تباهى دونالد ترامب، الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة، في خطاب الوداع بأنه أول رئيس أمريكي يخرج من البيت الأبيض من دون أن يخوض “أي حروب جديدة منذ عقود”، في موقف يمثل إحدى المفارقات التي اتسمت بها ولايته، إذ أن الملياردير المتقلب- والذي داس على كل الأعراف خلال فترة ولايته، ورفض الاعتراف بهزيمته لأكثر من شهرين- غادر البيت الأبيض من دون أن يلتقي خلفه، ولم يهنئ أبداً الرئيس المنتخب، وهو أمر غير مسبوق منذ 150 عاماً، ولم يحضر تنصيبه.
ظهر ترامب، رجل الأعمال النيويوركي، منذ البداية بشخصية استثنائية وبمواقف متعددة مثيرة للجدل، وقلب هذا السياسي القادم من مجال الأعمال الكثير من المفاهيم والصور النمطية، ومن ذلك موقف يضع الرؤساء الجمهوريين في كفة أكثر ميلاً من الديمقراطيين، نحو التدخلات العسكرية وإشعال الحروب. فعلى سبيل المثال سلفه الديمقراطي باراك أوباما شارك في العدوان العسكري لحلف الناتو على ليبيا عام 2011، فيما نفذ قبله الرئيس جورج بوش الابن عمليتي غزو مدمرتين في أفغانستان والعراق بذريعة هجمات 11 أيلول 2001.
بالمقابل حاول ترامب، الجمهوري بطبيعة خاصة، بأقصى قدر أن يكون مختلفاً عمن قبله من رؤساء خاصة الديمقراطيين، وتفنن في انتقادهم والسخرية منهم. ونال سلفه أوباما الحصة الأكبر من الانتقادات، حيث نسف الكثير من الإنجازات التي تحققت في عهده وخاصة الخروج عن الاتفاق النووي الدولي مع إيران، ما أعاد هذه المشكلة المعقدة بعد سنوات طويلة من الجهود إلى نقطة الصفر.
ويأتي ذلك ضمن سياسة دأب عليها منذ وصوله إلى البيت الأبيض تقوم على الانسحابات والتنصلات من كل الالتزامات والاتفاقات الدولية: منظمة الصحة العالمية، واتفاق باريس للمناخ، ومعاهدة ستارت، وغيرها الكثير…
وعلى الرغم من الصورة “الملائكية” التي يحاول ترامب باستماتة الترويج لها عن نفسه، إلا أن ولايته لم تخل من مغامرات سياسية وعسكرية كان يمكن أن تتسبب في حرب في أكثر من مناسبة، وخاصة عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد في 3 كانون الثاني 2020، والتي جرت بأمر مباشر منه. وشنّت بلاده عدواناً سافراً ليلة الـ7 من نيسان 2017 على مطار الشعيرات بريف حمص، حين أطلقت القوات الأمريكية بأمر منه 59 صاروخاً مجنحاً من طراز توماهوك على المطار. كما تشاركت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في شن عدوان ثلاثي في نيسان عام 2018 بذريعة استخدام الكيميائي في دوما قبل أن يبدأ المحققون الدوليون بالتحقيق في استخدامه.
أما في المجال السياسي، فالأمر أيضاً لم يخل من إثارة وغرابة، حيث قلب ظهر المجن لأقرب حلفاء وأصدقاء بلاده التقليديين، وطالبهم بامتيازات اقتصادية، وبأن يدفعوا مقابل الحماية الأمريكية، وخاطب هؤلاء باستعلاء وأثار غضب الكثيرين منهم، وابتز ممالك ومشيخات الخليج وحصل منها ومازال على مئات المليارات من الدولارات، مقابل ما يصفه بتأمين الحماية لعروشها وحكمها.
وبشأن العلاقات مع الصين، شن ترامب حربا تجارية مع بكين، ورفع درجة التوتر معها إلى مستوى غير مسبوق، وتحرّش بها مختبراً صبرها في بحر الصين الجنوبي، بل واتهمها بالمسؤولية العمدية عن تفشي جائحة كورونا.
وعلى الرغم من أن ترامب فشل في السباق على ولاية ثانية، إلا أن ما اتخذه من مواقف وقرارات خلال 4 سنوات هز العالم بقوة، بما في ذلك الولايات المتحدة التي وصلت درجة الانقسامات فيها مستويات لا سابق لها، علاوة على توترات هدّدت الاستقرار الاجتماعي والسياسي باستقطاب خطير للغاية.
ويبدو أن الرئيس الأمريكي قرر أن يمضي قدماً بلا رجعة في نفس الطريق مغردا خارج السرب، متقاطعا مع الواقع الأمريكي التقليدي، ظهر ذاك فيما تردد عن اعتزامه تأسيس حزب جديد، أملا في عودة مدوية أخرى إلى السلطة، ولعل ترامب يخاطب العالم الآن في داخله قائلاً: “سأعود في 2024 كونوا في الانتظار”.