الحب حتى إشعار أخر”.. والحرب المستمرة
أقيم في المركز الثقافي العربي بحمص حفل توقيع رواية “الحب حتى إشعار آخر” للروائية رويدة تميم، وهي باكورة أعمالها الروائية وتأتي في مئتي صفحة تتناول فيها قصة حب بين سيمازا المحامية التي قهرتها ظروف الحرب والفقدان للأحبة لتتحول إلى شخصية مأزومة ومهزومة عاطفياً ونفسياً وكرم الشاعر, مدرس اللغة العربية الذي يحضّر رسالة الماجستير الذي يحلم خلالها بتغيير أوضاعهم الاجتماعية والمادية, ليرتقي بنفسه إلى مكانة يرنو إليها، بعد أن غيرت الحرب الكثير من ملامح الإنسان فينا.
الرواية تراجيديا اجتماعية تنهل من واقع السنوات الماضية التي مرت بها البلاد لتعيد رسم ما آلت إليه عواطفنا ومشاعرنا تجاه الآخر فالشخصية المحورية خلفت الحرب في نفسها ندوباً يصعب للأيام القريبة القادمة أن تمحو آثارها بعد أن فقدت شقيقها الأصغر ابن العشر سنوات تحت أنقاض بيتها ومشهد يدها التي كانت تمسك بيد شقيقها لا يفارق مخيلتها خاصة لمّا قذفت بها بعيداً عنها عندما اكتشفت أن يده مفصولة عن جسده تماماً تحت الركام, والخوف الذي لازمها بعد أن فقدت كرم حبيبها الثاني مثلما فقدت عمر حبيبها الأول بسبب تبعات الحرب وأثرها على الحياة الاجتماعية.
رواية تنتقل كاتبتها بين الفصول والعناوين الفرعية بمهارة وسلاسة ديدنها اللغة المفعمة بالعواطف الإنسانية التي تأخذ القارئ ولاسيما الشاب نحو عوالم وأحلام سحرية بكل ملامحها وسماتها..
عن هذا العمل قالت الكاتبة ميمونة العلي في مداخلة نقدية: رشاقة التنقل في الحوار بين الشخصيات وبين صوت الراوي الذي يتدخل ليشرح ويفسر مآلات الحدث، وعودة المهاجرين حتمية مع العتاب الذي يكون على قدر المحبة تماماً.
استخدمت الكاتبة مصطلحات الحرب بقالب ساخر جميل جداً, كأن توصِّف طلب كرم لحبها بالقول “أيحق لي الهجرة إلى قلبكِ وطلب اللجوء الدائم” ثم توصف حكمها على كرم بعدم العودة له المرة الأولى بأن الموتَ عدلٌ “للمنشقين عاطفياً”, ولكن ما لفت نظري تشبيهها لعواطفها المتناقضة المترددة.
يجري من تبعات للحرب والأحداث السياسية على لسان رواية حب لتغوينا بمتابعة القراءة حتى آخر نقطة حبر من دمها وفي هذا دليل على إمساكها بخيوط الشخصيات وما تؤول إليه الأحداث كما لو أنها ليست التجربة الروائية الأولى وكأنها متمرسة في الكتابة منذ زمن بعيد.
وقال عنها الناقد نزيه ضاحي: شيء من الرومانسية الموروثة، وبحث عن قطرة ماء في مواسم الجفاف، وارتياد لحقول القمح في صحراء الحياة للوصول إلى أرض جديدة تزودنا بأبجدية جديدة عن الحب، يمكن تصنيفها (نقدياً) برواية (الحقبة) أو المرحلة التي تهتم برصد ملامح التطور الاجتماعي سلباً أو إيجاباً في فترة زمنية محددة.
وأشار إلى أن تفاصيل المؤامرة الإرهابية التي تعرض لها بلدنا منذ عشر سنوات ولغاية الآن ألقت بظلالها على بعض مفاصل الرواية بشكل موضوعي، والحوار جاء خادماً لسير الأحداث وتصوير الأشخاص وعلاقتهم مع بعضهم وكان طبيعياً راقياً ملائماً للمواقف، وسهلاً ممتنعاً وحيوياً وممتعاً وأسلوب الكاتبة تماوج بين استخدام العبارات العامية (ص 21-25) وشعرية بعض مقاطع الرواية (ص22)، فإذا كان الجمال في البساطة فمضمون هذه الرواية بسيط جميل مارست فيه المؤلفة العملية السردية بمستوى رفيع من الإتقان تلتحم فيه التقنية بالحكاية، والبعد الخيالي بالتأمل الواقعي، فكانت بكاءً على كتف القارئ وتربيتاً على ظهره لتهدئة هواجسه، وبث روح الطمأنينة في نفسه.
وأشار إلى أن بعض أفكار الرواية جنحت نحو الوعظ والإرشاد وهو أسلوب بات ممجوجاً ومرفوضاً بعدما استعيض عنه بالاقتداء الحسن والعاطفة في الرواية قافلة صدق وروعة وسحر وجمال تحدوها موسيقا جنائزية تبتعد عن التكلف والزخرف الزائد، وتنسجم مع الزفرات المتصاعدة من قلب محروق، إنها كتاب هام للأدب الشبابي الجديد يكتسح بذكاء قوانين الرواية الكلاسيكية، ويؤسس لذائقة أصيلة جديدة.
وختم بالقول: هذه الرواية تفيض بالحيوية والإشراق والتدفق والإمتاع من خلال الصور الجديدة المبتكرة، والمعالجة الناضجة للظواهر الاجتماعية والتحرر من العبودية الفكرية لأن الريح القوية تطفئ الشموع، ولكنها تؤجج النار وقد جاءت بعض ألفاظ الرواية قريبة من اللغة الدارجة ولكنها رفيعة المستوى.
الروائي عبد الغني ملوك تحدث عن السر الذي يكمن في الرواية الناجحة والمؤثرة وهو مدى الإدهاش الذي تحدثه في نفس القارئ، وإن الرواية لا تغير شيئاً في الواقع لكنها تحدث وعياً جديداً في نفس القارئ، ولكل رواية أسلوب وقد نجد الراوي متواجداً بين الكواليس ويظهر بشكل مباشر للقارئ.
آصف إبراهيم