بدوافع المصلحة.. النظام التركي يطرق أبواب الكيان الصهيوني
محمد نادر العمري
في الوقت الذي سارع فيه رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان لإدانة الدول العربية المطبّعة مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أعلن مؤخراً في تصريح إعلامي وبشكل صريح أنه “يرغب في الوصول لأفضل العلاقات مع حكومة الاحتلال، ويبحث عن تطوير العلاقات الثنائية”، كاشفاً عن حقيقة عدم انقطاع الاتصال والتعاون العسكري والأمني بين نظامه والكيان الصهيوني خلال فترة القطيعة الدبلوماسية، فضلاً عما يمكن استشفافه من مؤشرات التعاون الاقتصادي الذي ارتفع خلال الأعوام الخمسة الماضية بنسبة 21%.
تزامن هذا الإعلان مع تسريبات تؤكد اقتراب عودة تبادل السفيرين اللذين جرى سحبهما عام 2018، وبات الموضوع مسألة وقت ليس إلا، وأن كافة الترجيحات تصبّ في اختيار “أوفوك أولوتاش” سفيراً لتركيا في الكيان، الذي يعدّ من أكثر الشخصيات القريبة والصديقة لرئيس النظام التركي، وهو من دارسي اللغة العبرية، ويعدّ خبيراً في الوقت ذاته بالشؤون الإيرانية، وهو ما يعني رغبة أردوغان بالتقارب مع الاحتلال لأسباب عديدة، وتتمثل هذه الأسباب:
- قد تكون رسالة ضمنية من قبل أردوغان للكيان الإسرائيلي بشكل عام ولـ نتنياهو بشكل خاص، بدفع حركة “الإخوان المسلمين” للتطبيع مع دولة الاحتلال، وهو ما قد يثير لعاب الإسرائيليين في الحصول على مثل هكذا مكسب، نظراً لما تتمتّع به تركيا من دور مركزي في التحكّم بمسار مواقف الإخوان وتوجهاتهم، وما يؤكد هذا الاحتمال أن هذه المجاهرة بتطبيع العلاقات جاءت بعد ساعات قليلة من إقدام حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يعدّ أحد أكبر فروع الإخوان في المغرب، على تأييد تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، وفي حال تأكيد هذا الاحتمال فإن “إسرائيل” تكون قد ضمنت تحييد أحد أهم الفروع المحسوبة على التيارات الإسلامية من جانب، وتكون مقدمة لزرع الشقاق بين الإخوان والتيارات الإسلاموية الأخرى، ما سيترك تداعيات فوضوية وصراعية عنفية وتخوينية تصبّ في مصلحة الممارسات العنصرية الإسرائيلية.
- الإعلان جاء بعد التعاون العسكري الثلاثي المشترك /التركي– الإسرائيلي- الإذريبجاني/ في معارك إقليم قراه باخ، وقد يكون الرئيس الأذربيجاني إلهام عليف -وهو صديق شخصي لكلّ من نتنياهو وأردوغان- قد قام بدور الوساطة بين النظام التركي والكيان الصهيوني بعد تقديمهما الدعم اللوجستي والسياسي له في معاركه الأخيرة ضد أرمينيا، وهو ما أظهر أهمية عودة العلاقات بين الجانبين في ظل المتغيّرات والتقلبات التي يشهدها النظامان الإقليمي والدولي، وحاجة الضرورة لمثل هذا التقارب لمواجهة التحديات المستقبلية، وخاصة على الصعيد الشخصي لكلّ من أردوغان ونتنياهو.
ولمعرفة باقي الدوافع أيضاً، لابد من التوقف عند عدة نقاط تشكّل مرتكزات معرفة الواقع السلوكي للسياسة الخارجية التركية ومحدّداتها، التي تتغيّر حسب مصلحة أردوغان، والتي يتطلّبها أولاً الوضع الداخلي التركي المضطرب سياسياً واقتصادياً، وثانياً المتغيرات التي تسود النظام الإقليمي ومحاولة جميع القوى والأطراف لحجز موقع لها ضمن الاصطفافات التوازنية التي تحصل، وثالثاً انعكاسات تغيّر الإدارة الأمريكية على النظام الدولي، وأهمها:
- النظام التركي لطالما استخدم التصريحات العاطفية والدينية والقومية لتوسيع نفوذه وتحقيق مصالحه، بما في ذلك استمالة الشعور العربي والإسلامي والفلسطيني بصورة خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية للترويج لنفسه كزعيم إسلامي، وبالتالي يمكن تبرير سلوكه في التقارب مع دولة الاحتلال على أساس الحفاظ على القضية الفلسطينية وإيجاد تسوية لها.
- يمكن القول بأن تطوير العلاقة التركية مع الكيان الإسرائيلي من شأنه تخفيف الضغط على تركيا، سواء على صعيد الخلافات التركية الأوربية بخصوص ملفات الغاز والشراكة واللاجئين، أو حتى الدور الإسرائيلي لتخفيف حدة الصراع الإيديولوجي مابين السعودية وتركيا، بعد ما أظهرته جملة الاتفاقات التطبيعية المتسارعة من تأثير تسلسلي تتربع على عرشه “تل أبيب” وتتلقاه الرياض وتمارس الضغوط لتنفيذه.
- هناك خشية مشتركة تجمع نتنياهو وأردوغان من الموقف الشخصي للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، وبصورة خاصة تبدو الخشية الأردوغانية هي الأكبر، في حال تنفيذ بايدن تهديداته الانتخابية بدعم المعارضة التركية ومحاولة تغيير النظام التركي ووضع حزب العدالة والتنمية ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يسعى أردوغان لتفاديه من خلال الاستعانة باللوبي الإسرائيلي في واشنطن وكسب ودّ هذا اللوبي للضغط على بايدن وإدارته، وهو يدرك -أي أردوغان- أنه يستحيل الحصول على هذا الدعم دون طرق أبواب “تل أبيب” وتطوير علاقاته معها.
- لم تنجح تركيا من خلال استعراض قوتها العسكرية ومحاولة فرض الأمر الواقع في البحر المتوسط، في فرض سيطرتها على غاز المتوسط، بل أصبحت خارج إطار الحسابات تجاه قسمة هذا الغاز بعد تحوّل دول منتدى الغاز المتوسط إلى منظمة إقليمية، ويمتاز الاحتلال الإسرائيلي بدور مؤثر وكبير داخل المنظمة، لذلك تريد تركيا في شق جزئي من تحسين علاقاتها مع “تل أبيب” حجز دور لها في هذه المنظمة لكي لا تبقى خارج الحسابات الإقليمية، بمعنى آخر هذه المنظمة تضمّ في عضويتها دولاً تشترك في خصومتها وعداوتها لتركيا، والأخيرة يمكن الاستفادة من تطوير علاقاتها مع “إسرائيل” لتحسين علاقاتها مع باقي الأعضاء وتحقيق مكاسب اقتصادية تتعلق بالمشاركة في التنقيب عن الغاز بعدما عجزت تركيا في استعراضها العسكري لتحقيق ذلك.
السؤال الذي يفرض نفسه في النهاية: ما هو موقف أذرع الأخوان في المنطقة، هل سنشهدها قريباً تخطو خطوات التطبيع بما يتلاءم مع التوجّه التركي وبما قد يمارسه الكيان الصهيوني من ضغوط على تركيا لدفعها لذلك؟.