علم الاجتماع.. خريجون غير مؤهلين للتعامل مع المجتمع والشؤون الاجتماعية تغلق أبوابها!
“دراستنا نظرية ولا تمتّ للواقع بصلة”، تقول دعاء (طالبة علم اجتماع) وهي تتحسّر على اختيارها قسم الإرشاد الاجتماعي الذي يتخرج منه الطالب بأدوات بسيطة لا تمكّنه من التعامل مع المجتمع، وللأسف القسم كغيره من الأقسام التي تبدو نظرية، لكنها في الحقيقة أقرب للمجتمع من أي دراسة أخرى، وخاصة مايتعلق منها بالنفس والحياة والأسرة، ومع أن محاولات الجامعة للتطبيق على الأرض وفي معظم الاختصاصات كانت قبل الحرب خجولة، إلا أنها اليوم باتت معدومة، ليظهر الطلاب غير راضين عن نتاجهم وغير واثقين بما سيقومون به مستقبلاً، ماعدا من يقحم نفسه بالعمل التطوعي، فإلى متى سيبقى الجانب العملي في الجامعات بعيداً عن التطبيق؟.
ضعف واضح
وبجعبة خاوية خرجنا من حرم الجامعة، قسم علم الاجتماع، دون أن نحمل معنا أي معلومات عن تطبيقات قام بها الطلاب خلال السنوات العشر الماضية، ورغم الحاجة الملحة ليكون المرشد والباحث الاجتماعي وكذلك النفسي على احتكاك مع مخرجات الحرب، إلاّ أننا لم نأتِ بشيء من هذا القبيل!.
أثناء حديث “البعث” مع بعض الطلاب أكدوا عدم رضاهم وتخوفهم من ضعف إمكانياتهم عند التعامل مع شرائح المجتمع المختلفة التي خاضت “عراكاً وصراعاً” مع منظمات إرهابية دخيلة على مكوّنات المجتمع السوري، وماخلفه من مشكلات نفسية واجتماعية وإعاقات جسدية ولّدها حقدهم. ومن هنا جاء قلق شباب علم الاجتماع الذين يتخرجون بأدوات بسيطة ليست على قدر الوضع الراهن الذي يحتاج خبرة عالية وتعاملاً دقيقاً واحتكاكاً مع المجتمع، من زيارات ميدانية لمراكز إيواء وإعاقات على اختلافها وجرحى وأرياف.
الدكتور نضال الجندي مدرّس في جامعة دمشق اختصاص إرشاد اجتماعي، اعترف بضعف العمل الميداني وحلقات البحث وقال: حلقات البحث ركن أساسي في دراسة المجتمع، ومن المفروض، حتى تكون دراستنا صحيحة، أن يكون هناك مجموعة طلاب تناقش الموضوع نفسه على الواقع، ثم تجمع مراجع المعلومات النظرية وتطبقها على الميدان، لكن خريج علم الاجتماع على مدى أربع سنوات ليس لديه سوى 9 حلقات بحث، واحدة في السنة الأولى و4 في السنة الثانية، ومادتان في كلّ من الثالثة والرابعة، فكيف سنعوّل على هذا الباحث في دراسة المجتمع، يتابع الجندي: المفروض كعلم اجتماع أن يكون لكل مادة جانب عملي يرتبط بالمجتمع، لأننا أقرب للتطبيق من النظري، ومشكلة هذه الدراسة في الخلط الذي يحصل عند الخريج، فهو لايعلم أهو خريج كمرشد اجتماعي أم كباحث اجتماعي، ورغم ضرورة الشراكة والتوحيد في بعض مواد السنوات الثلاث الأولى، لكن من الضروري في الرابعة التخصّص وتخيير الطالب لاختصاصه حسب معايير معينة، ومن وجهة نظر شخص لديه خدمة تزيد عن العشر سنوات أقول: نحن نظرياً نعطي الطلاب معلومات قوية جداً، لكن على أرض الواقع (صفر)!!، وعندما نطلب من الطالب الحديث عن نظريات علم الاجتماع يقولها عن ظهر قلب، لكن عند طلب ربطها بالمجتمع السوري يبدأ بالتردّد والخطأ وعدم التمييز بين المجتمع السوري وغيره من المجتمعات، وهذا طبيعي لدى طالب في السنة الأولى من أصل 11 مادة لديه حلقة بحث واحدة.
تعاون مفقود
وبعد أن أبدى الدكتور الجندي عدم رضاه عن الباحثين الذين يتمّ تدريسهم في الجامعة، عازياً ذلك لبعدهم عن الحقبة الحالية وعدم معاصرتهم للمجتمع الآني، لم يحمّل الجندي الطالب أي مسؤولية لأنه -كما قال- نتاج الدكاترة والجامعة، لكنه أبدى بعض العتب على المؤسسة التعليمية بشكل عام من جهة قلّة حلقات البحث، فمن غير الممكن أن يكون عدد حلقات البحث 9 من أصل 46 مادة تقريباً، عدا عن ضرورة وجود مخابر للتطبيق العملي. وأكد الدكتور الجندي غياب أي نوع للتعاون والتشبيك مع أي جهة ومؤسسة حكومية للقيام ببحث ميداني، حتى أن وزارة الشؤون الاجتماعية راسلت الجامعة وطالبت بعدم إرسال أي كتب لزيارة مراكزها على اختلافها. وقال الجندي في هذا الصدد: عندما كنّا نزور مراكز الإعاقة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية كنا ندخل بمعمعة الموافقات إضافة لسوء المعاملة من قبلهم، وفي الوقت الذي لا يوجد فيه أي دعم من قبل الجامعة للقيام بزيارات ميدانية وصل كتاب من وزارة الشؤون الاجتماعية في الـ2015 إلى الجامعة بعدم تقديم أي طلب لزيارة مراكز المسنين، وبالعموم خلال الأحداث كانت هناك صعوبة بالغة للدراسات الميدانية ولم نقم بزيارة أي مركز إيواء أبداً، ولا حتى جرحى أو أشخاص تعرضوا لإعاقة جراء الحرب، ولم نسقط دراستنا على أي مركز للجانحات ولا حتى الأحداث، ولم نتعامل مع أي طفل كان رهين الاختطاف. ومن باب المصداقية قمنا بمراسلة وزارة الشؤون الاجتماعية للسؤال عن كيفية تعاملها مع الجامعة في هذا الصدد، وبعد طول انتظار قال المكتب الصحفي فيها إنهم لايملكون أي شيء عن هذا الموضوع، وبالتالي ليس لديهم أي تعاون ولا يسمحون بالزيارات؟ فأين هم إذن من ربط الجامعة بالمجتمع وعلى من تقع المسؤولية؟!.
“مرشد” غير مؤهل!
أما عن التعامل مع التطبيق العملي في ظل هذه الظروف والمعوقات، فقد بيّن الدكتور في قسم علم الاجتماع أن الجانب الميداني يمكن أخذه بأي ظرف وبأي شكل بغض النظر عن كورونا والحرب، وبحكم أن دراسة الحالة قد تكون لفرد أو لمركز أو لدولة ولا يمكن بمكان التغاضي عن الميداني، حتى في ظل الظروف الراهنة كنا نطلب من الطلاب إسقاط ماتعلموه على أي حالة وقد تكون بالقوة والثقل نفسه وربما أفضل، كعلم اجتماع، يتابع الجندي: عندما تريد أن تخرج بشيء احترافي يحتاج الأمر لمخبر قاعة اجتماع وحواسيب وشاشة عرض وداتا لدراسات قديمة ومكتبة للحفظ وهي غير مكلفة، خاصة وأنه في ظل هذه الظروف لايمكن زيارة المراكز الخاصة بالأحداث، وبعد قرار الجامعة ووزارة الشؤون الاجتماعية بإيقاف الزيارات الميدانية، يصبح المخبر في هذه الحالات بمثابة ميدان افتراضي، وخلال السنوات العشر الماضية هناك زيارة وحيدة لطلاب ماجستير الإرشاد لأحد المشافي وباجتهاد شخصي من قبلهم دون أي مساعدة، ليعترف الدكتور الجندي في نهاية لقائنا معه أن خريجي علم الاجتماع وماجستير الإرشاد ليسوا مؤهلين للتعامل مع الحالات الجديدة بطريقة احترافية، محملاً المدرّسين وزر هذا التقصير أيضاً.
“منهم وفيهم”..
بتول طراف خريجة علم اجتماع ومديرة سابقة لأحد مراكز الإعاقة تحدثت عن تجربتها في القسم، وقالت: الدراسة النظرية لا تقدّم الكفاءة المهنية التي تؤهلنا لممارسة دورنا كمرشدين اجتماعيين على أرض الواقع، سواء في مراكز الرعاية والإصلاح أو الجمعيات والمنظمات، وهذا الشيء يحتاج لجهد شخصي منا كطلاب، خلال الدراسة الجامعية كان الدكاترة يوجهوننا لمراكز وجمعيات، لكن لم يكن هناك تعاون من قبل تلك الجهات، لتغدو العلاقات الشخصية والجهد والمتابعة والعمل التطوعي هي حصيلة عملنا، والجامعة لم تقدم لنا أي شيء، وهذا ما تبيّن خلال تعاملي مع أطفال متلازمة داون وأطفال التوحد، حيث كانت دراستنا عنهم نظرية دون حصولنا على أية معلومات حقيقية عنهم، مضيفة: نحن كقسم علم اجتماع بحاجة للتدريب الدائم وللجانب الميداني الذي كنّا نطالب فيه الدكاترة، فخلال دراسة أربع سنوات لا يوجد بحث ميداني وهو حكر على طلبة الماجستير، والتذرّع بالحرب حجج واهية لا تفي بالغرض، خاصة وأن عدة مناطق باتت آمنة وتحتضن مراكز مهمّة بإمكان الطلاب إسقاط دراستهم عليها لنخرج بمرشدين وباحثين اجتماعيين قادرين على التعامل مع الواقع بأوجاعه وصعوباته.
نجوى عيدة