هوس نهاية التاريخ عند الغرب
عناية ناصر
على الرغم من الأزمة الكاملة في النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة، والتي كشف عنها الوباء المستشري والفوضى التي أعقبت الانتخابات الرئاسية، فإن عالم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما يؤكد تفوق النظام الديمقراطي الغربي في مقابلة مع صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية، قال فيها إنه على الرغم من أن جائحة COVID-19 سلّطت الضوء على الاختلافات بين الصين والدول الغربية، وعلى تحوّل مركز الاقتصاد العالمي نحو شرق آسيا، إلا أن مزايا الصين قد لا تدوم، وحثّ الدول الغربية على عدم فقدان الثقة، لأن الغرب لن يخسر بالضرورة في “معركة طويلة” مع الصين، وأن النظام الديمقراطي مع المساءلة هو الأفضل.
اشتهر فوكوياما بكتابه الصادر عام 1992 بعنوان “نهاية التاريخ والرجل الأخير”، والذي جادل فيه بأن الديمقراطية الليبرالية الغربية ستصبح معياراً عالمياً بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي. لقد مرّ حوالي 30 عاماً على ذلك، لكن على الرغم من أن الديمقراطية الليبرالية لم تنتصر في جميع أنحاء العالم كما توقع فوكوياما، إلا أن نظرية “نهاية التاريخ” التي وضعها كان لها تأثير عميق على آراء الغربيين فيما يُسمّى بالدول غير الديمقراطية. إنها مثل الفخ الذي يبقي الغربيين يؤمنون بأسطورة النظام الغربي، مما يجعلهم غير قادرين على تقييم الدول الديمقراطية غير الغربية، وخاصة الصين، بطريقة عادلة وموضوعية ومواجهة العيوب داخل النظام الغربي.
منذ تفشي الوباء، شكّلت تحركات الصين تناقضاً حاداً مع الاستجابات غير الكفؤة من قبل العديد من الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، ففي مواجهة حالة الطوارئ الصحية، تصرفت الصين بسرعة وفعالية وحشدت المجتمع بأسره للتعاون والحفاظ على التضامن في مكافحة الوباء. يوضح هذا المزايا المؤسسية للصين، وهو السبب الرئيسي الذي جعل الصين من بين الدول الأولى في احتواء الوباء واستئناف انتعاشها الاقتصادي. ومع ذلك، فإن بعض الغربيين الذين يمثلهم فوكوياما يتردّدون في فهم والاعتراف بحيوية وفعالية وتفوق نموذج الحوكمة الاجتماعية في ظل الصين.
يعتقد فوكوياما أن النظام الديمقراطي الغربي الخاضع للمساءلة سيكون أفضل، ومن المفارقات، أن تتسبّب مأساة إنسانية -في ظل هذا النظام- بمقتل أكثر من 330 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها وما زالت تقتل المزيد. ما نراه هو وضع المصالح السياسية والاقتصادية فوق حياة الناس، ولا توجد حتى الآن إستراتيجية واضحة ومتسقة لمكافحة الفيروس في الولايات المتحدة بعد حوالي 10 أشهر من الارتباك والفوضى والوفيات. علاوة على ذلك، لم نرَ أي سياسيين أو مسؤولين أو مؤسسات تُحاسب على هذه الكارثة.
يعتبر العديد من الغربيين، بمن فيهم فوكوياما، أن انتخاب جو بايدن للرئاسة كان نتيجة لقدرة النظام الأمريكي على تصحيح الأخطاء ومحاسبة الناس على عدم كفاءتهم، إذ يؤكد فوكوياما في المقابلة أن الولايات المتحدة سيكون لها رئيس وحكومة جديدان، لكن هل هذا يعني أن النظام الأمريكي مسؤول؟.
بمعنى ما، فإن فوكوياما في موقف نظري محرج للغاية، وقد أدرك بعض المشكلات الداخلية داخل النظام الغربي، لكنه لا يزال متمسكاً بعناد بنظرية “نهاية التاريخ”. يقول جاو جيان، الباحث في جامعة شنغهاي الدولية للدراسات، لصحيفة “غلوبال تايمز”: “إنه غير راغب في إنكار “تفوق” النظام الغربي الديمقراطي الذي يفترضه، ولا يمكنه مواجهة المشكلات الأساسية في النظام الغربي”، مشيراً إلى أن فوكوياما عالق بشدة في عقلية الحرب الباردة والوسطية الغربية.
من الإنصاف القول إنه عندما طرح فوكوياما نظرية “نهاية التاريخ”، كان الغرب في أوجه، ولكن كيف يمكن لنظرية بعيدة عن الواقع في الوقت الحاضر أن تفسّر مشكلات النظام الغربي، وتفوق النظام غير الغربي؟. الهوس بـ”نهاية التاريخ” يمنع الغربيين من مواجهة مشكلات نظامهم، ولاسيما أنه من المحتمل جداً أن يتفاقم التدهور في النظام الغربي.