بايدن والكيان الصهيوني.. صداقة حميمة وحلف قديم
د. معن منيف سليمان
يرتبط الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بصداقة حميمة وحلف قديم مع الكيان الصهيوني يعود إلى أكثر من أربعين عاماً، صرّح خلالها في أكثر من مناسبة بدعمه لـ”إسرائيل” ووراثة حبها عن أبيه، وأنه صهيوني متشدّد، ما يؤكّد أنه يسير على خطا من سبقه من الرؤساء الأمريكيين في طريق الانحياز الأمريكي السافر لـ”إسرائيل” على حساب عدالة القضية الفلسطينية وحقوق شعبها العربي.
ظلّ بايدن خلال أربعين سنة من مسيرته السياسية مدافعاً قوياً عن “إسرائيل”، ظهر ذلك جلياً في مجمل تصريحاته منذ زيارته الأولى إلى الكيان الصهيوني في عام 1973، وكان حينها عضواً حديثاً في مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث التقى خلال رحلته رئيسة الوزراء غولدا مئير، ووصف اجتماعه معها لا حقاً بأنه “كان من أكثر الاجتماعات أهمية” من حيث تأثيره على حياته.
وعرف عن بايدن أنه مؤيّد صريح لكيان الاحتلال، حيث قال في عام 1986: “أعتقد أن الوقت قد حان لإيقاف من يطلبون منّا الاعتذار عن دعمنا لإسرائيل، لن يكون هناك أي اعتذار.. إذا لم توجد “إسرائيل” لكان على الولايات المتحدة اختراع “إسرائيل””!.
وفي نيسان 2007، أكّد أن “الذي ينبغي على الناس فهمه وأن يكونوا واضحين وضوح الشمس هو أن “إسرائيل” تعدّ القوة الأكبر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”. وأضاف حينها: “كنت لأقول لأصدقائي عندما يقولون لك هذه الأشياء.. سأقول تخيلوا ظروفنا في العالم بدون إسرائيل، كم عدد السفن الحربية التي ستكون هناك، كم عدد الجنود الذين سيتمركزون”.
وقال في خطاب ألقاه عام 2015، إنه يجب على الولايات المتحدة التمسّك “بوعدها المقدّس بحماية وطن الشعب اليهودي”.
وعندما كان بايدن في منصب نائب الرئيس الأمريكي، صرَّح في عام 2016، قائلاً: “إذا كنت يهودياً فسأكون صهيونياً، والدي قال لي إنه لا يشترط أن أكون يهودياً لأصبح صهيونياً لأنني كذلك صهيوني، وإسرائيل ضرورية لأمن اليهود في جميع أنحاء العالم”.
كما تفاخر بزواج ابنه من امرأة يهودية واستمتاعه بحضور عيد الفصح في منزلهم، وتفاخر أيضاً حين تزوجت ابنته من جراح يهودي عام 2016، وقال إنه حقّق حلمه.
وعاد بايدن ليزور “إسرائيل” عام 2016، وأثنى نتنياهو على بايدن وقتها قائلاً: “أودّ أن أشكرك على صداقتنا الشخصية لأكثر من 30 عاماً. لقد عرفنا بعضنا منذ وقت طويل. لقد مررنا بالعديد من المحن. ولدينا رابطة دائمة تمثل الرابطة الدائمة بين شعبنا”.
وخلال سنوات حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الثماني في البيت الأبيض تميّزت بتوتر (ظاهري) بين “إسرائيل” والولايات المتحدة، بدءاً من خطاب أوباما في القاهرة إلى العالم الإسلامي في عام 2009، وانتهاءً بتجاهل نتنياهو علناً لأوباما ومخاطبة الكونغرس الذي كان يقوده الجمهوريون في آذار 2015، ومع ذلك وعلى الرغم من الضغط، ظلّ بايدن على علاقة جيدة مع كل من “إسرائيل” ونتنياهو.
وفي هذا الصدد قال إلداد شافيت، ضابط المخابرات العسكرية السابق الذي عمل في مكتب نتنياهو من 2011- 2015، أن بايدن شخصية مألوفة بالنسبة للطبقة السياسية في “إسرائيل” وهي ترتاح للتعامل معه. وأضاف: “بايدن يعرفنا ونعرفه”.
ومؤخراً انضمّ رئيس وزراء العدو الإسرائيلي إلى مهنئي الرئيس المنتخب بايدن ووصفه بأنه “صديق عظيم لإسرائيل”. وكتب نتنياهو في تغريدة على حسابه على تويتر “نهنئ جو بايدن وكامالا هاريس”. وأضاف: “جو نعرف بعضنا منذ نحو أربعين عاماً وعلاقتنا دافئة وأنا أعلم أنك صديق عظيم لإسرائيل”.
وفيما يتعلّق بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي استخدم بايدن أولى دعاياته الانتخابية حين تعهّد إذا ما انتُخب رئيساً للولايات المتحدة، بإبقاء سفارة بلاده في موقعها الجديد في القدس المحتلة، وفي الواقع يمتدّ سجل مواقف بايدن في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى ما قبل بدء التوترات في سنوات أوباما. فقد أيّد الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” قبل عقدين من إقدام ترامب على ذلك مثيراً غضباً عالمياً. كما أيّد مشروع قانون أصدره مجلس الشيوخ عام 1995، يقضي بإقامة سفارة أمريكية في القدس بحلول عام 1999، قائلاً إن الخطوة ستوجه “رسالة صائبة”.
وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، رفض بايدن بشكل قاطع انتقاد العدوان الإسرائيلي على نابلس عام 2001، التي أدّت إلى استشهاد طفلين، قائلاً إن “الخلافات مع إسرائيل يجب البت فيها في جلسات خاصة”، حتى بعد أن أدانت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش العدوان علناً.
في الحقيقة ليس هناك أيّة فروق جوهرية أو إستراتيجية بين ترامب وبايدن، تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فالإستراتيجية الأمريكية ليست قائمة على الأشخاص، بل هناك مؤسسات متخصصة لصنع القرار الأمريكي. ولذلك لن يتغير جوهر الرؤية الأمريكية لحل الصراع في فلسطين، أما التغير المحتمل فهو مرتبط بسلوك الرئيس الجديد وإدارته، دون أن يخرج عن المسار الاستراتيجي الأمريكي، وبناءً عليه فإن مقر السفارة الأمريكية في القدس لن يعيدها بايدن إلى “تل أبيب” كما كانت، لأن قرار نقل السفارة أصلاً صادر عن الكونغرس وما فعله ترامب ليس إلا تنفيذ للقرار فقط.
إن بايدن صديق حميم وحليف قديم ويكنّ مشاعر قوية جداً تجاه “إسرائيل” وسيخدمها أكثر من سلفه ترامب، ولهذا قال بعض الخبراء إن فوز بايدن سيكون موضع ترحيب من المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وليس فقط من قبل خصوم نتنياهو.