دعم المشروعات متناهية الصغر على الورق.. وتواجه واقعها في الظل!
دمشق- فاتن شنان
يشكّل قطاع المشروعات متناهية الصغر تحديداً والصغيرة عموماً نسباً عالية من مجمل المشاريع العاملة في سورية، في ظل ظروف اقتصادية راهنة فرضت توجهاً شبه قسري للأفراد بغية تأمين موارد مالية للأسرة يتناسب مع حجم التضخم الحالي، ويردم ولو قليلاً الهوة بين الدخل والنفقات، وبات شراً لابد منه مهما تنوّعت الوظائف والأعمال لأصحابها، حيث واكب هذا المقصد توجهاً حكومياً لتثبيت أقدام العاملين في تلك المشاريع، لضمان استمرارية مصادر الدخل لتلك العوائل، إلا أنه وبالرغم من صدور العديد من الأفكار والمقترحات لدعمها أو تمكينها، إلا أن هذه المشاريع ما زالت تفضّل العمل في الظل وبعيداً عن الرعاية المقدمة من الحكومة، وبالمقابل لم تصل أية فكرة أو اقتراح إلى مرحلة التنفيذ إلا بالنزر اليسير لأسباب عدة تتعلق بمقدم الدعم، وبالنتيجة تبقى توجهات الجهات المعنية تزدحم بأفكار ورؤى تبقى حبراً على ورق لا تُترجم على أرض الواقع!.
نقطة بداية
من الطبيعي دراسة الشريحة المستهدفة، سواء أكانت مشاريع أم أفراداً، من جهة الوضع القانوني والعملي والاجتماعي، أو من جهة التطور وإمكانية الارتقاء بعملها، لتضخ نتاجاً محلياً قادراً على تأمين الاكتفاء الذاتي لأصحابها، بالتوازي مع تلبية متطلبات السوق السورية كخطوة أولى، وتالياً التوجه إلى التصدير إن أمكن، ليصار إلى تقديم دعم يتناسب مع واقعهم ولا يحمّلهم أعباء مالية، كونها مشاريع غالباً ما تكون عائلية صغيرة بدخل وإمكانيات محدودة، وبالتالي غير قادرة على الانضمام لقافلة المشروعات الجاهزة من الناحية الإدارية أو التنظيمية للاستفادة من الدعم الموجّه لها. وهنا يمكن اعتبار ما تقدّمه هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة من إجراءات إدارية، كتسجيل المشروعات وأصحابها في سجل الهيئة، قد لايطال تلك الفئة، وتبقى خارج إطار الإحصاء والبيانات الرسمية والدعم المالي، وينسحب الأمر كذلك على تقديم هيئة دعم الإنتاج المحلي والصادرات لبرنامجها “دعم المنتجين الصغار” والذي يهدف إلى تعزيز قدرة المنتجين الصغار على التصدير واستمراريتهم في سوق العمل.
وفي هذا السياق بيّن مدير عام الهيئة ثائر الفياض أن الهيئة قامت بعقد عدة اجتماعات بحضور ممثلين عن الجهات المعنية من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل وممثلي وزارتي الزراعة والصناعة والاتحادات “الصناعة والتجارة” والاتحاد العام للحرفيين، وذلك للاطلاع على الوضع الراهن لهذا القطاع وأهم الإجراءات المتخذة من قبل تلك الجهات لدعمه، وقد طلبت الهيئة تزويدها بالبيانات والمقترحات التي يمكن من خلالها إعداد برنامج خاص لدعم المنتجين الصغار بما ينسجم مع آليات عمل الهيئة ويدخل في نطاق تخصّصها.
تعثر واضح
ولكن يبدو من الواضح تعثر مسار الدعم المقدّم من البداية، كون إشكاليات هذا القطاع عديدة ومتجذّرة، يتصدرها غياب الإجراءات الإدارية اللازمة لتنظيمه، إلى جانب غياب التراخيص الإدارية والضمانات اللازمة لتمويلهم من المصارف أو الهيئات، وعدم تسجيل العاملين في التأمينات الاجتماعية، كونها ورشات صغيرة تقبع في أماكن غير منظمة وبعيدة عن مراكز المدن ولا ينطبق عليها أي توصيف علمي أو نقابي لتنظيمها، وعلى الرغم من استثمار تلك الظاهرة من شركات كبرى واعتمادها عليهم في إنتاج منتجات صناعية أو غذائية بمواصفات جديدة، بحيث تعهد إليهم بطلبيات كبيرة تحت مسمّى الشركة أو المصنع المعتمد وتستغل وضعهم غير القانوني في إهدار حقوقهم المالية، إلا أن الجهات المعنية بهذا القطاع لم تستطع حتى اليوم الاستفادة منه أو تسخير قدراته لمصلحة النهوض بالوضع الاقتصادي، كونها تخطّط وتدرس بفكر الجباية والتنظيم فقط!.
إعفاء واستضافة
يبدو أن الواقع بحاجة إلى دراسة وتنفيذ مقترحات سريعة من شأنها تصحيح أوضاع تلك المشاريع القانونية وضمان وصول الدعم المقترح لها، وتتمثل أولى هذه المقترحات -حسب رأي خبراء الاقتصاد- بصدور صك تشريعي يقضي بإعفاء أصحاب هذه المشاريع من كافة الأعباء المالية اللازمة لتنظيم مشاريعهم بالشكل القانوني ولمدة لا تقلّ عن خمس سنوات، ليتسنى لها إجراء كافة التراخيص والتخلّص من الضرائب والرسوم المرافقة لتلك الإجراءات، على أن يقوم أصحابها خلال السنة الأولى بالحصول على الترخيص لتستفيد من الدعم المالي المقدّم، كما يمكن أن تؤدي المؤسسة السورية للتجارة دوراً في تمكين أصحاب المنشآت والمشاريع عبر تقديم فرص ترويجية وتسويقية، تتمثل باستضافة مجانية على سبيل المثال من خلال عرض منتجاتهم ذات المواصفات الجيدة في صالاتها المنتشرة في كافة المحافظات، وبالتالي إتاحة فرص لتحسين المنتجات وتعزيز قدراتهم في الاستمرار بعمل ومواصفات أكثر جودة، خير لها من تقديم هذه الفرص للتجار والصناعيين القادرين على إيجاد منافذ تسويقية لهم غير البيع بالأمانة لدى الصالات والمجمعات، بالتوازي مع ضرورة إنشاء حاضنات أعمال على غرار حاضنة دمر التي تضمّ العديد من الحرفيين والصناعيين الصغار المنتجين، إلى جانب عملها في تأهيل وتدريب كل من يرغب بتعلم هذه الصناعات أو الحرف، كما يمكن أن تفتح هذه الحاضنات مستقبلاً باباً للتصدير أمام المنتجات الوطنية المميزة، وأن تخلق فرصاً تنافسية من شأنها تطوير وتحسين الإنتاج الوطني بوجودها.