وقفة مع المؤتمرات..
مع زحمة المؤتمرات الحزبية والنقابية والمنظماتية التي تجري، والتي ستجري تباعاً، واستعراض ما تحمله جعبتها من عرض للمشكلات والمعاناة، وما تتضمنه من حوارات ونقاشات وطروحات وتساؤلات تصل حدّ الاتهامات حيناً وعدم الرضى عن الأداء الرسمي أحياناً أخرى، تضع المعنيين والقائمين في وضع لا يحسدون عليه أبداً – إن لن نقل تضعهم في خانة اليك – أمام كمّ وحجم الانتقادات اللاذعة الموجهة لنقاباتهم ومنظماتهم والدور الذي يقومون به، ومن خلفهم الأداء الحكومي “الرتيب” الذي لا يصلح ولا يصحّ في بلد تحاصره العقوبات والأزمات وقلّة الموارد المالية وتقلبات أسعار الصرف المرعبة وضعف القوة الشرائية ونقص وتذبذب توريد المشتقات النفطية المحكومة بظروف لا يعلم بها سوى القائمين عليها، وما وصلت إليه أحوال الناس من ضيق تدنى منسوبه إلى ما دون خط الفقر بفعل الحرب وتداعياتها، وفوق كل هذا وذاك معاناة نقص الكهرباء الحاد والتقنين الجائر المهين وانعكاساته على تفاصيل الحياة الآدمية ونحن نعيش العقد الثاني من الألفية الثالثة..؟!.
كل ذلك أبعد مؤتمراتنا عن الكثير من الاستراتيجيات والغايات والأهداف التي يفترض أن تشتغل عليها لتتحول -مع الأسف- لمؤتمرات مطلبية بحكم الظروف والمتغيّرات والمستجدات وما آلت إليه الأحوال..
والسؤال: لماذا لا تتصدى نقاباتنا واتحاداتنا ومنظماتنا -الغنية- لتطوير أدائها وحضورها وفعاليتها وتلبية متطلبات أعضائها، ما سينعكس بطبيعة الحال إيجاباً على اقتصادنا الوطني وخزينتنا، فماذا يضير اتحاد الفلاحين مثلاً أن يعيد النظر بجمعيتيه التسويقيتين النوعية النباتية والحيوانية اللتين أحدثتا في تسعينيات القرن الماضي على مستوى القطر برأسمال خرافي حينها دون أن يكلف أحد خاطره معرفة ماذا حلّ بهما ولماذا فشلتا؟. وأن يتولى الاتحاد تأمين السماد والبذار للمزارعين والأعلاف والأبقار للمربين والآليات الزراعية من جرارات وحصادات وعزاقات وخلافه للفلاحين، وتسويق منتجاتهم الزراعية وفق آلية مدروسة تقترحها وتعمل عليها بالتعاون مع خبرات وكفاءات مشهود لها بدل الاعتماد على الحكومة وحدها؟!.
وماذا يضير اتحاد العمال أن يوظف أموال عماله المكدّسة المقتطعة من مداخيلهم في تشييد المزيد من المنشآت الإنتاجية وغير الإنتاجية الربحية في كل القطاعات لتدعم التعويضات العمالية وتضاعفها لتلبي متطلبات الحياة اليومية وتسهم في دعم عجلة الاقتصاد؟.
وماذا يضير اتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة أن تكون اتحادات منتجة بأموال أعضائها، فتشيّد وتصنع وتستورد وفق منظومة متكاملة من المزايا والإعفاءات والمحفزات بالتنسيق والتشاور مع الحكومة لتغطية مروحة الاحتياجات التي يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص بعيداً عن عصا قيصر وأخواته؟.
إن هذا النوع من الأداء سيقلب الطاولة رأساً على عقب في كل الاتجاهات، وسيعيد التوازن للأسواق والعملات وحياة الناس، وسيخرجنا من براثن الحصار والالتفاف على العقوبات وسيصبّ في نهاية المطاف في خدمة وتقوية قراراتنا السياسية والاقتصادية وتمتين وتحصين جبهتنا الداخلية واستحقاقاتنا القادمة. وحين ذلك ستتحوّل تنظيماتنا المختلفة من كيانات مطلبية تقتات على ماتؤمنه الحكومة إلى مؤسسات حقيقية فاعلة وقادرة أن تكون سنداً ورديفاً وليس عبئاً ومكاناً لعرض المشكلات والمطالب وتدويرها من مؤتمر لآخر بلا طائل ولا جدوى.. حينها فقط سنقهر التحديات والأزمات التي نعيشها وسننتصر ونتغلب عليها، لا أن نكتفي بإدارتها كما هو حاصل الآن!.
وائل علي