دراساتصحيفة البعث

تحديات النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية

ريا خوري

بدأ الرئيس الأمريكي الجديد  جون بايدن، الذي تم العمل على التحضير بشكلٍ جيد لحفل تنصيبه، في العشرين من كانون الثاني الحالي، فترة رئاسته بتحديات كبيرة ذات أبعاد متصلة بفلسفة النظام السياسي الأمريكي وما يصاحبها من تداعيات واستحقاقات مفترضة في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى المستوى الدولي الإيديولوجي والسياسي والاقتصادي، سيّما أن ما رافق عملية الانتخاب وما تلاها تعتبر سوابق في الحياة السياسية الأمريكية تستدعي ردم فجوات عديدة وعميقة، باعتبارها مظاهر تهدد فلسفة النظام السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والاستراتيجي برمّته، وفي طليعتها تداول السلطة بطرق محددة ومنضبطة ومتوارثة عبر عشرات العقود، كونها جزء رئيسي لا يتجزأ  من أيديولوجيا النظام السياسي القائم وإحدى أهم الأمور التي يفتخر بها الأمريكيون.

ما تعرّضت له الولايات المتحدة مؤخراً من رفض وتعنت الرئيس الأسبق دونالد ترامب كانت بمثابة ضربة لمن ينادي بالديمقراطية ويفتخر بالنظام السياسي للولايات المتحدة، وهي سابقة أن تتعرض منظومة السلطة لضربة موجعة وفي عرينها الديمقراطي المتمثل في الكابيتول الذي تم انتهاك حرمته. والأشد غرابة أن تظهر هذه السلوكيات بمظهر المخطط لها بهدف الوصول إلى نهايات سوداوية كما ظهر في التحقيقات الأولوية التي جرت مؤخراً، والتي ذهبت إلى حد إجراءات عزل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وهي سابقة أيضاً لجهة الأسباب والخلفيات المتعددة التي تمس وتلامس جوهر كيان الولايات المتحدة.

فالرئيس جون بايدن، والحال هذه، سيبدأ ولايته بأزمة ثقة كبيرة انتشرت وتغلغلت في العقل الجمعي الباطني للشعب  الأمريكي، مفادها أزمة نظام تعدت أزمة حكم متصلة بسلوكيات وأساليب سياسية  سلبية يومية معتادة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وهي بذلك تتطلب جهوداً مضنية ومضاعفة لتخطي بعض تداعياتها، سيما وأن بعض القضايا، التي تتعلق في صلب النظام السياسي الأمريكي، ذهبت إلى مسارات تصعيدية كالعزل قبل الانتقال المفترض للسلطة بأسبوع واحد تقريباً، وهو عملياً غير فعَّال، إنما يشكل صورة من صور التحدي للوقوف بحزم على ما حصل والرد عليه، بصرف النظر عن القدرة على تنفيذه في هذا الوقت الضيق جداً أم لا.

إن أحد أبرز مرتكزات فلسفة الحكم  والنظام السياسي الأمريكي هي الانتقال السلمي وتداول السلطة بصور حضارية ودون مظاهر سلبية أو معادية، وهو بمثابة الوصايا التي يستحيل التغاضي عنها أو تجاوزها، وهو ما سيحاول الرئيس جو بايدن إعادة رسمه وتثبيته في عقول الأمريكيين ومؤسساتهم، التي تلقت صدمة غير مسبوقة عبر تاريخها.

كما أن أزمة النظام السياسي الأمريكي تمتد أيضاً إلى حجم السيطرة الأمريكية على النظام الدولي ووسائل التحكم والسيطرة به، ففي العقل الباطن للكثير من المخططين الاستراتيجيين والمفكرين والمتابعين ربطوا التحديات الأمريكية بتلك التي مرَ بها الاتحاد السوفييتي السابق، وصولاً إلى التفكك والانهيار وفقدان مرتكزات القوة القطبية. وثمة وقائع تنحو إلى ذلك السيناريو، لكن التدقيق بعمق وجدية أكثر يظهر أن النظام السياسي الأمريكي، وإن بدا هشاً وضعيفاً في هذه الأزمة، بفضل الفوضى وعدم تقدير المواقف السياسية والاقتصادية والعسكرية التي ارتكبها دونالد ترامب، إلاّ أنه يملك من أدوات ووسائل الاستمرار والحماية الذاتية، ما يمكّنه من إعادة التموضع من جديد، ولو بدا الأمر صعباً وتشوبه الكثير من عوامل الثقة التي فقدت بين الشعب والقيادة.

التداعيات الداخلية وحجمها الكبير، جعل أسئلة أخرى تطرح حول قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في قيادة النظام العالمي، بخاصة أن النهج والسلوكيات الأمريكية المتناقضة في التعاطي مع حلفائها وغيرهم، أثبتت البراغماتية المفرطة التي تتعامل الولايات المتحدة بها مع حلفائها القريبين والبعيدين. وهو مؤشر واضح وصريح على ضعف القيادة الأمريكية في اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب.

ولا يقتصر الأمر فقط على الجوانب المادية، بل يمتد أيضاً إلى شبكة الحماية الفكرية الإيديولوجية للنظام السياسي الأمريكي المرتكز على قاعدة الليبرالية الجديدة، ( الليبرالية المتوحشة)، وهو فكر مازال ضعيفاً ويحاول أن يقوى ويتجدد  في العقد الأخير. وفي حقيقة الأمر من الصعب تخيل نظام سياسي لا يستند إلى خلفية فكرية قوية ومتينة، وهو تحد إضافي للنظام المؤسساتي الأمريكي عليه إثباته مع كل انعطافه يمر بها وبخاصة في الأزمة الحالية. ربما لم تمر الولايات المتحدة  الأمريكية بأزمة كبرى كالتي تمر بها اليوم، وهي تستدعي البحث عن أجوبة لتحديات كبرى داخلية وخارجية كثيرة أهمها أزمة كوفيد ١٩.