محط إغراء
لا نختلف في القول أن المستوى الجلي من الفساد وسوء الإئتمان أوصل شريحة المراقبين التموينيين إلى سمعة غير نظيفة يتناولها الجميع في إجماع غير مسبوق حول أداء غير أخلاقي قبل أن يكون خارجا عن القانون.
قد يكون جل مراقبي الأسواق متورطين ومن يتعفف هنا لا مكان له في القطاع كله، فالتخوين وتهشيم الذاتية هما الوسيلة الأسرع والأنجع للتخلص من الكفاءات النظيفة, ولكن الكل متفق على أن الكسب غير المشروع الذي يطال جيب وصحة المستهلك أصبح مستشرياً، لا بل محط إغراء لكل الراغبين بفرصة عمل والعاملين في الدولة الذين يسارعون ويلهثون للحصول على غنيمة عنصر رقابة على طريق “المرتشي” و”الحرامي”.
بصراحة لا يمكن كيل المسببات على لفيف المراقبين بالتوازي مع تبرئة البيئة الحاضنة من مسؤولين شاركوا بطريقة أو بأخرى بصناعة هذه المواصيل وفعاليات تجارية تمارس كل ضروب الفتك بضمائر وأخلاقيات المراقبين، موقعة بهم في شرك الرشاوى مقابل غض النظر عن المخالفات والتجاوزات, وما اعتراف أقطاب وزارة التجارة الداخلية الواضح بالواقع المزري، إلا نموذج يشهد على أمثاله المجتمع الإنتاجي والحكومي والاستهلاكي, فالحادثة التي يتناقلها الكثير من المفاصل في الوزارة تثير الكثير من التساؤلات والتعليقات عن مصير ذاك المراقب الذي كلفه أحد الوزراء السابقين شخصياً بتنظيم مخالفة لمحل يبيع زيوتاً مخالفة وغير صالحة للاستهلاك, والنتيجة تقديم تقرير يتضمن تبرئة التاجر، والتأكيد أن الزيت صالح للاستهلاك، رغم تأكد الوزير آنذاك من عدم صلاحية المادة..؟
هنا يتبادر إلى الأذهان مباشرة أن الوزير قام بتقريع المراقب كأضعف الإيمان، وفي حال متقدمة أعفاه من موقعة، وربما أحاله إلى التحقيق والمساءلة, ليخرج من يؤكد أن هذا العنصر لم يبرح مكانه واستمر بأداء عمله بفساد قد يكبر أو يخف حسب السوق ووساخاته, وتأتي التوجسات القائلة بأن اعوجاج العلاقة بين المراقب والتاجر سيستمر مهما حاول المسؤول الملاحقة، لأن المسألة مرتبطة بالثقافة العامة وليس بالرادع القانوني الذي يصعب تطبيقه في ظل ضعف ذات يد المواطن ونفوذ التاجر بماله وسلطته على الموظف والمسؤول معاً بقوة الشراكة مع الحكومة في صناعة القرار.
نافل القول أن ثمة إهمالا وترهلا وتجاهلا معترفا به، والحاجة ملحة والسعي قائم لتوعية التجار الذين يدسون “المعلوم” للتغاضي عن المخالفات, ولا نتوقع الكثير من التغير على الأرض مهما وعد هذا الوزير أو غيره، لأن التعويل على الضمائر الغائبة، وليس على الثواب والعقاب، فما يغنمه المراقبون من التجار أدسم بكثير .؟
علي بلال قاسم