الإشاعات.. الظروف الصعبة تحتضنها … والمجتمع يتبناها ضمن خانة الرأي العام ؟!
لم تعد الشائعات مجرد نميمة على فرد أو مجموعة من الناس بل بدأت تأخذ مكانها كأداة هامة للقيام بحرب ضد دولة ويساهم في ذلك التقنيات الحديثة للانترنت ووصوله إلى كل فرد في المجتمع عبر الفيس بوك وقنوات اليوتيوب حيث يتم استخدام رسائل تحريضية تثير البلبلة خاصة لدى جزء كبير من المجتمع ،وتؤثر بشكل أكبر عند عامة الناس غير المثقفين الذين بدورهم يضخمون تلك الرسائل وينشرونها على أنها حقيقة مثبتة لايمكن التشكيك بها ،ومن أشد تلك الشائعات خطورة تلك التي تعتمد على بعض الحقائق وإعادة بثها بعد تهويلها وإعطائها أبعاداً غير حقيقية حتى تصبح أكثر إقناعاً لتتحكم بعقول المتلقين ،من هنا تكمن خطورتها في التلاعب بعقول الأفراد وإحداث النزاع فيما بينهم حيث لا يستطيع أحدا إنكار دور تلك الشائعات أي مايشاع بين الناس في الحروب والنزاعات التي يمر بها العالم في عصرنا الحالي وخاصة الدول العربية التي يعتمد افرداها على معلومات مواقع التواصل الاجتماعي دون الرجوع إلى الواقع أو حتى مقارنتها مع معلومات أخرى أكثر دقة .
تشويه الحقائق
الشائعات هي أخطر المعلومات فهي خبر يتم نقله دون التأكد من صحته لذلك تعتبر من أخطر الأسلحة المساهمة في تدمير المجتمعات والأشخاص ،الدكتورة الاجتماعية مها الصافي تكشف كيف أثرت تلك الإشاعات في تشويه حقيقية الكثير من الأبرياء وخاصة الأقليات في المجتمع وأثرها في تحطيم صورة الكثير من العظماء على حساب الأطراف المستفيدة من ذلك ،نذكر هنا القضية الفلسطينية والعمل على تهميش الحقيقة فيها وتبرئة المعتدي وإدانة المظلوم وتحويله إلى مجرم ومتخلف يعتدي على الآخر ،وبذلك تكون قد ساهمت الإشاعات في توسيع رقعة الجهل بالحقيقة وزيادة الجرائم بحق المستضعفين فهي لا تقف عند تدمير علاقات وصداقات فقط وإنما ساهمت في هزيمة جيوش بأكملها ،المصيبة الأكبر تكمن في الدور الذي تلعبه في تخلف الأجيال والمجتمعات وإلغاء حقيقة مثبتة والتعويض عنها بمعلومات مبهمة وغير واقعية ،لا ننكر أن الإشاعة موجودة مع الوجود الإنساني ومستمرة معه بل ستبقى معه للأبد لأنها جزء من تكوينه النفسي الممتلئ بالأمراض كالحسد والبغض والكره والغيرة والسعي للسيطرة والتملك والنفقات ، حيث تعتبر طريقة يستخدمها ليعبر بها عن أطماعه وهواجسه أمام الناس وتشريع كل مايطمح إليه .
تهديد الاستقرار
تتميز أيامنا بكثرة الإشاعات والترويج لها هذا مايجعلنا نبحث عن سبل الابتعاد عن أثارها السلبية ،وأهم تلك الطرق هو عدم تبني الأفكار التي تثير الجدل والأحقاد بين الناس والترويج لها ،تتابع الصافي على الفرد أن يتأكد من المعلومات التي تبث له وعدم التصديق الأعمى والتسليم لما يبث في قنوات الانترنت حتى لا يقع في فخ المغالطات اليومي التي يمر بها والتأكيد على إن هذه القنوات تعتبر من أهم الوسائل لنشر الشائعات التي تهدد الاستقرار الاجتماعي وتننتهك شؤون وحياة الآخرين وخاصة الفنانين والسياسيين واستخدامهم وسيلة لهدم الأخلاق في المجتمع وتفكيكه وتكون بذلك حققت الأثر الأكثر ضررا ،وتساهم تلك الإشاعات في إحداث فجوة فكرية بين الناس وزعزت الثقة في المجتمع ولابد أن نذكر مافعلته الصين خلال أزمتها مع مرض كورونا حيث لجأت إلى كشف المعلومات الكاذبة والإشاعات التي بثت عبر الانترنت فقد أثارت الرعب بين مواطنيها وهددت استقرار البلاد والأمن فيها ،ولم تقف عند ذلك وإنما سارعت للكشف عن الأشخاص المسؤولين عن بث وترويج تلك الشائعات ومحاسبتهم قانونياً لما سببوه من ذعر اجتماعي.
زعزعة الثقة
ليس مجتمعنا بعيداً عن تلك الأمثلة فمعظم ما تمر به البلاد من أزمات يبدأ بإشاعة تتضخم لتتحول إلى حقيقة وواقع لامفر منه ،الباحث الاجتماعي نضال رفعت يقول في الآونة الأخيرة أصبحنا نشعر بالتحول الاجتماعي السريع عبر إحداث المشكلات والمتناقضات الاجتماعية حيث تقوم الشائعات عبر الانترنت بصناعة المعلومة الكاذبة وتضخيم محتواها وتشويه الأحداث من خلال اللعب على عنصر رفض المجتمع للاحتكار والتفاوت الطبقي ونقص احتياجاته واستغلاله في حياته اليومية وعدم تلبية متطلباته ،وهنا تقع المسؤولية على الجهات التي من شأنها البحث في المحتوى الذي يقدم للجماهير عبر الانترنت ومصدر الشائعات ورصد مفتعليها ،ومن الواجب على الحكومة إظهار المعلومات الدقيقة والصحيحة بشأن كل مايجري وعدم السماح للانتهازيين باستغلال الفرص لزعزعة الثقة مع الحكومة ،فالشائعة تستطيع اختراق كل منزل والتلاعب بمشاعره وانتماءه وتتحول إلى خطر كبير يفقد الشخص اتزانه وقدرته على الفهم الصحيح لما يجري حوله ،وبث الفوضى في المجتمع بعد فقدان المصداقية وإحداث خلل عام في العمل والبناء والتطوير .
تشويه الرأي
لا نستطيع تجاهل أهمية الرأي العام للمجتمع وتأثيره في اتخاذ القرارات الهامة لذلك يتم إضعافه عبر التضليل والتشويه للحقائق فتتحول الإشاعة إلى قوة مهيمنة على هذه القرارات لأنها أثرت على رأي مجتمع كامل وبذلك تضلل عمل الحكومات ،ويرى رفعت أن التحكم بالرأي العام والسيطرة على قرارات الحكومة بات أمرا واضحا في أيامنا هذه بسبب قدرت قنوات الانترنت المؤثرة على رأي العامة والتشويش عليها بالإشاعات والمعلومات التي تشكل الشك والخوف من القرارات الحكومية ورجالات الدولة ،بالإضافة إلى زعزعة الاقتصاد وافتعال المشكلات وفقدان الأمان بالوضع العام ومستقبله وهذا مايجري الآن في واقعنا فالمراقب الجيد يستطيع إدراك اللازمة قبل حدوثها عبر نشر واستباق اللازمة في المواقع وما تلبث أن تحدث حقا في الواقع بعد إشباع الناس بالمعلومات الضالة وهنا يصبح السيطرة على الأزمة أكثر صعوبة .
ميادة حسن