حفل تأبين عبد الإله نبهان عضو مجمع اللغة العربية
رحل عن عالمنا عالم جليل قدّم للغة العربية الكثير وأخلص لها، الأستاذ الدكتور عبد الإله نبهان أحد علماء اللغة المعاصرين، حفيد الشيخ طاهر بن أحمد نبهان، عضو مجمع اللغة العربية أستاذ النحو والصرف في جامعة البعث الذي لُقب بشيخ العربية في حمص، عمل بالتأليف والنقد والتحقيق، وقد أقام مجمع الخالدين -مجمع اللغة العربية- حفل تأبين للراحل.
تميز بالمسارات اللغوية
وكانت مشاركة د. مروان المحاسني رئيس مجمع اللغة العربية بكلمة اتخذت طابع التوصيف والتوثيق بالحديث عن المزايا التي جعلت المرحوم د. عبد الإله نبهان متميزاً بين الباحثين في أدقّ المسارات اللغوية العربية التي تشكّل لبّ اهتمامات المجمع الذي انتخبه عضواً عاملاً عام 2008، وتابع عن تحصيله العلمي حتى حصوله على الدكتوراه بدرجة الشرف في اللغة العربية بدرجة امتياز عام 1990 وسيرته العامرة التي جعلته أستاذاً متميزاً في جامعة البعث وجامعة الإمارات العربية، إضافة إلى متابعة أبحاثه بمؤلفاته البارزة مثل كتابه عن ابن يعيش النحوي، وكتابه عن اللغة والنحو والبلاغة عام 1995، إلى جانب إنتاجه الواسع في مجالات التحقيق لآثار تراثية مهمّة كإعراب الحديث النبوي للعكبري، وتحقيقه مجموعة المختار من معجم البلدان لياقوت الحموي بتفصيل دراسة البلدان الفلسطينية والأندلسية، إضافة إلى سفر ثالث يتعلّق بسورية ولبنان والأردن، وتأليف كتابين يبرزان القيمة الثقافية التي فقدتها سورية باستشهاد الشهيد عبد الحميد الزهراوي أحد شهداء السادس من أيار. وأشار المحاسني إلى تمكّنه من التحقيق حتى تولّى التحقيق لكتب تراثية مرموقة كالمقصور والممدود للفراء، والأشباه والنظائر في النحو للسيوطي، إذ تطرق إلى توضيح المنهج التنظيمي للكتاب ومصادره النحوية، كما تميّز بالنقد من خلال متابعته دراسات تتعلق بكتب معروفة لمؤلفين تجاوزوا مواقع النقد كابن العديم وابن الحنبلي والصاغاتي والسجستاني، ويبدي ما يراه من نقد بنّاء يساعد على توضيح إنتاجهم. ليخلص د. المحاسني إلى أنه كان واحداً من الذين أرادوا خدمة اللغة العربية على جميع المستويات، والإفادة من تراثها العريق في خدمة ثقافة عربية تتماشى مع متطلبات الحداثة وتفتح الأبواب لمسايرة التطورات العالمية السريعة. ولم يتوقف المحاسني عند التأليف والتحقيق، بل تطرق إلى أبحاثه المهمّة في مجال الدراسات الشعرية ودراسات دقيقة في أمور البناء والإعراب والعديد من المجالات اللغوية.
العالم الموسوعي
ووصف د. طلال خليل عميد كلية البعث د. نبهان بالعالم الموسوعي وأهم أعلام اللغة وقد نهل من طيب علمه كثيرون، وتميّز بالتواضع والالتزام بالعمل وبرحابة صدره واتزانه بالمناقشات العلمية وصدقه وابتعاده عن المجاملة، فكان ذا رأي صريح وصادق، ويتحلّى بروح الدعابة والفكاهة، أحيط بحب كبير يكنّه له زملاؤه وطلابه.
شيخ العربية في حمص
ورأى د. عصام كوسا الذي ألقى كلمة أصدقاء الفقيد أن د. نبهان امتطى صهوة الحرف فطاعت له لغة شموس لا تسلم زمامها إلا لفارس أصيل، وعاد بذاكرته إلى سبعة عشر عاماً منذ التقى به في جامعة البعث فكان شيخ العربية فيها، وغيرته لا حدود لها على اللغة المقدّسة، وتحدث عن التعاون بينه وبين د. نبهان، فحينما ألّف د. كوسا كتابه الأول كتب له مقدمة ستبقى وساماً على صدره، وتشاركا معاً في تأليف كتابي النحو والصرف للسنة الأولى دون أن يلتفت إلى نسبة المشاركة. واتسمت كلمته بمشاعر وجدانية وثيقة ربطته به فكان أخاً له ومرشداً في كل ما يتعلق باللغة، ووصفه بجبل علم يستند إليه كل باحث. وتطرق كوسا إلى صفاته الشخصية وحسن معشره، فكان هادئاً ودمثاً قلّما يغضب ولا يغضب إلا للسان الضاد، وسيبقى حياً في نفوس كل من تتلمذوا على يديه، وسيبقى كل ما قدّمه للضاد عصيّاً على الموت.
مكتبه محجة للجميع
أما د. خديجة دالاتي التي ألقت كلمة طلاب الفقيد فوصفته بقامة من قامات العلم والمجد والعطاء، تستخلص العبر من سيرته والوفاء له باقتفاء خطاه والعمل من بعده بجد والتحلي بصفاته الحميدة، فكان مثال العمل الدؤوب والمثابرة، حمل الأمانة بإخلاص واتصف بالتواضع الذي زاده احتراماً، وأغنى المكتبة العلمية والثقافية في مجال التحقيق والتأليف، ثم تحدثت عن فضله ودوره مع زملائه من الرعيل الأول باستحداث كلية الآداب في جامعة البعث في حمص، وتأسيس مكتبتها العامرة التي ساهمت بتخريج كبار الأدباء والمدرّسين.
واستحضرت ذكرياتها معه فكانت أسعد أوقاتها حينما تزوره بمكتبه الذي يعدّ محجة للأساتذة والطلاب، تستقي من علمه الوفير وتستمع إلى أحاديثه التي تكشف الجانب الآخر من شخصيته بحبه للفكاهة، وتوقفت عند جلسات النقاش بينها وبينه كونه المشرف على دراستها في الماجستير والدكتوراه، وكيفية وضع خطة العمل وحرصه الشديد على متابعة كل خطوات العمل، وستبقى بصمته الوضاءة بإرثه الكبير.
الوفاء والإخلاص
ولم يستطع آل الفقيد الحضور من حمص للمشاركة بحفل التأبين، فتواصل ابنه مصعب مع الحاضرين من مصر بإرسال رسالة صوتية مطولة، تحدث فيها عن أهم صفات والده العلمية واهتمامه بالتراث والمعاصرة والنقد والتحقيق وبحثه بعلوم القرآن والحديث، إضافة إلى اطلاعه على الروايات ومختلف العلوم، واستحضر خصال والده المختزلة بالمحبة والوفاء، وتعلقه بمدينته حمص.
ترافقت فقرات حفل التأبين مع عروض متتالية من الصور عبْر شريط توثيقي أعدّه المجمع لمراحل عمله بالجامعة وإشرافه على رسائل الماجستير والدكتوراه، ووقفات جمعته مع طلابه وزملائه الأساتذة، إضافة إلى ومضات تأملية خاصة ومع أفراد عائلته.
ملده شويكاني