عدنان حميدة: اللوحة سيرة الفنان
يُحسبُ للفنان التشكيلي عدنان حميدة بين أبناء جيله من التشكيليين تأثيره الكبير على طلابه الشباب، وخاصة أولئك الذين سينتسبون إلى كلية الفنون الجميلة أو أولئك الهواة الذين يتابعون تطوير مهاراتهم في بعض المعاهد أو المراسم الخاصة بالفنانين الكبار، فقد تخرّج العشرات من الفنانين الشباب الذين لا ينكرون فضل أستاذهم حميدة في تعليمهم الرسم ومعنى التكوين وفهم عالم التقنيات واللون، وصولاً إلى بناء اللوحة المكتملة العناصر والموسومة بخصوصية الأسلوب، فحميدة يستحق لقب الفنان المعلم بجدارة.
قدّم حميدة بياناً مكتوباً نشره عن تجربته أوجز فيه إجابات لأسئلة تُطرح على كل فنان بغية تلمس واقع هذه الخبرة التي بدأت في المرحلة الابتدائية، حيث تفكير الطفل بالعالم المحيط والكون، ملاحظاً المتشابهات بين الموجودات ومراقباً الأجزاء ضمن هذا الكلّ الواسع: “كنت أنظر إلى قطع متجاورات من الزرع ويسرح بي النظر حتى أجد ملامح وجوه في الصخرة والغيمة والنبات.. أتأمل السماء ليلاً فأجد ذات الشيء، كنت أعتقد أنني الوحيد الذي يرى هذا، فلم أبُح لأحد بما أراه”!.
رسم عدنان حميدة بأساليب عديدة، وجرّب كثيراً خلال سنوات طويلة، فخبر التصوير الواقعي والتسجيلي متتبعاً ما تلقاه من علوم أكاديمية في كلية الفنون الجميلة بدمشق، وتأثر بالانطباعية وبقية المدارس الفنية، ووصلت أعماله الأخيرة إلى حالة جديدة خرجت من أبعاد التصوير التقليدية بتكويناتها الشاقولية، ويردّ ذلك إلى تأثره العميق بالفن التدمري، حتى أن الطبيعة التي يرسمها تدخل في مختبر الفنان لتخضع للتحوير والتبسيط، وصولاً إلى ملامح تجريدية تقارب السوريالية في بعض جوانبها.
وفي ردّه على سؤال يوجّه لأغلب التشكيليين السوريين عن مدى تأثر لوحتهم بالحرب وما تغيّر في صياغة مواضيعهم، يذكر: “الأحداث في سورية كان لها النصيب الأكبر في الأعمال، لذلك تجد مجموعة من الأعمال تحت الركام كلوحة -مكدوس تحت الركام- شُكّلت مفرداتها بطريقة غريبة، كل المفردات ركام ووجوه مرسومة بألوان متعبة وموشحة بالرماد تغلبها التحويرات التعبيرية، إلا أن المكدوس أظهرته بواقعية ملونة وهذا نوع من التغريب في التشكيل، مصطلح طبيعة غير صامتة أفرزته الأحداث وهو غير موجود في القاموس الفني، إلا أني اضطررت لهذه التسمية لأني دمجت بين الإنسان وأدواته والطبيعة من حوله بتشكيل فيه حركة متأثراً بالمدرسة المستقبلية”.
وفي الجانب التقني المادي يستخدم حميدة مجموعة من العجائن الملوّنة والطباشير ومواد من الأكريليك الممزوج، وصولاً إلى سطح يحتمل الخط الحسّاس للشكل ويظهر قيمته ورشاقته: “استخدمت تقنيات عديدة لكي أبرز جماليات الملامس المناسبة للموضوعات التي أشتغل عليها، مثل الأكريليك والكولاج والفحم والباستيل الزيتي ومعجونة الأسبيداج الممزوجة بالأكريليك الشفاف، فالسماكات اللونية عبّرت عن الصخر والإضاءة المباشرة، والشفافية في الظلال والوجوه والعناصر الحيّة، ولم يكن استخدام الكولاج الورقي إلا لتحقيق قيمة لونية مناسبة في المكان المناسب يظهر تارة ويغيب تارة أخرى توظيفاً للحالة التشكيلية والتكوين والتصميم على سطح اللوحة، كما أن المعالجة التشكيلية للوحة تقوم على أساس تحقيق غاية الكمال لكل تفصيل، وتصبح العلاقة بين الضوء والظل أساساً جوهرياً، كما تكتمل وظيفة اللون على أساس المحافظة على نقاء هذه العلاقة الرهيفة التي تكلّل الجمال الحسي الذي تآلف في خزان المعرفة والذاكرة عبر مجموعة مفردات منقوشة تتمظهر على سطح اللوحة من خلال التقنية وحسن الأداء والبحث الجمالي.
أكسم طلاع