اتحاد الشغل يلوح بالتصعيد لإنقاذ تونس من الغرق
حذر الأمين العام لاتحاد الشغل في تونس نورالدين الطبوبي من أنه إذا لم يحصل حوار وطني إصلاحي ولم يتوقف السياسيون عن صراعاتهم الضيقة، فإن الاتحاد لن يبقى مكتوف الأيدي ولديه تصورات و”أوراق” لإنقاذ البلاد من الغرق.
ويعاني الاقتصاد التونسي أزمة غير مسبوقة مع عجز ميزانية قياسي بلغ 11.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2020، إضافة إلى صعوبات كبيرة تواجهها الشركات العامة التي تشكو عجزاً مالياً ضخماً.
وأضاف الطبوبي: إن الاتحاد لديه أوراق سيكشفها في الوقت المناسب ولن يترك البلد يغرق، لكنه رفض أن يكشف كيف يمكن للاتحاد أن يتحرّك إذا استمرت التجاذبات السياسية ولم يحصل اتفاق ينهي أزمة البلاد اقتصادياً واجتماعياً.
ويُنظر لاتحاد الشغل على نطاق واسع في تونس على أنه أكبر قوة في تونس وله نفوذ يفوق كل الأحزاب السياسية مدعوماً بأكثر من مليون منخرط. وللاتحاد عديد من وسائل الضغط التي يرجح مراقبون أن يلجأ اليها إذا تدهورت الأوضاع السياسية والاقتصادية من بينها الضغط عبر التحرّكات في الشوارع والإضرابات القطاعية. والإضرابات شديدة التأثير عادة على الاقتصاد والحكومات في تونس.
لكن الطبوبي رفض الحديث عن ذلك قائلاً: “ليس دورنا الإطاحة بالحكومة، نحن نحترم الديمقراطية ونحترم إرادة الناخبين، لكن لدينا كلمتنا ولدينا قوة التأثير المنظم والمؤطر”.
وأضاف الأمين العام للمنظمة، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، إنه منفتح على الإصلاحات الاقتصادية شرط أن تحترم السيادة الوطنية، داعياً صندوق النقد والمقرضين إلى تفهم خصوصية الوضع الاجتماعي الهش في البلاد، وتابع: “نعي جيداً أننا نحتاج إصلاحات ولكن إصلاحات تحترم السيادة الوطنية ودون شروط، لكل بلد خصوصيته ولا يمكن مثلاً أن تُطبق السياسة التي جرت في اليونان أو في مصر في تونس”.
وكان صندوق النقد حذر من أن العجز المالي لتونس سيتفاقم إلى أكثر من تسعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا لم تسيطر الحكومة على مخصصات الدعم والأجور العامة، وذلك في ظل الاحتجاجات المستمرة في تونس مطالبة بالشغل والتنمية منذ عشرة أيام في أرجاء البلاد، مطالبين برحيل الطبقة السياسية المنهمكة في صراع المصالح وحصد الكراسي.
وتسعى تونس التي تحتاج إلى قروض خارجية بقيمة خمسة مليارات دولار في 2021 إلى التوصل لاتفاق مع صندوق النقد بشأن برنامج تمويل جديد يسمح لها بتمويل العجز المالي ويتيح لها الاقتراض من السوق المالية الدولية.
وقال الطبوبي: “على صندوق النقد والمقرضين أن يتفهموا خصوصية الوضع الاجتماعي الهش في تونس”، وأضاف: إن الاتحاد يريد أن يتفاوض مع حكومة قوية للاتفاق حول الإصلاحات الاقتصادية، لافتا إلى أنه مستعد لدراسة كل المؤسسات العامة حالة بحالة، وذكر أنه لا يمانع على سبيل المثال تقليص حجم القوة العاملة في بعض الشركات بشكل خاص إذا كان ذلك ضرورياً، لكنه شدد على أنه يجب أولاً على الدولة أن تعين مسؤولين أكفاء وتوفر حوكمة رشيدة وتنهي البيروقراطية التي تعيق العمل في مناخ تنافسي. واستدل على ذلك بأن اتحاد الشغل وافق على تسريح 1200 موظف من شركة الخطوط التونسية لتخفيف العبء على الشركة، لكن الدولة لم تلتزم حتى الآن بتعهداتها المالية مما عطل تنفيذ الاتفاق.
وذكر الطبوبي أن من الإصلاحات العاجلة الضرورية إقرار العدالة الضريبية بين الجميع، معتبراً أنه من الاجحاف أن 75 بالمئة من الضرائب يدفعها الموظفون، بينما تدفع البنوك وشركات التأمين وغيرها 20 بالمئة، فيما يساهم القطاع الخاص فقط بخمسة بالمئة منها.
وبينما يُلقي سياسيون باللوم على اتحاد الشغل ويتهمونه بأنه معارض شرس لإصلاح الاقتصاد، ويسعى فقط لتعزيز نفوذه في الشركات العامة، يرى الأمين العام للاتحاد أن هذه الادعاءات “سخيفة وتدل على ضعف سياسيين لا يلتزمون بتعهداتهم ولا يعرفون الإصلاحات إلا عبر الخصخصة”.
وفاز الاتحاد العام التونسي للشغل مع هيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان واتحاد الصناعة والتجارة في العام 2015 بجائزة نوبل للسلام عن دورهم في إنهاء الخلافات بين الخصوم العلمانيين والإسلامويين والتوصل إلى دستور حداثي.
وقدم اتحاد الشغل مبادرة لإجراء حوار وطني يضم الفرقاء السياسيين بهدف التوصل لاتفاق واسع حول إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة تحتاجها البلاد للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها.
ويرى اتحاد الشغل ذو النفوذ القوي أن الحوار المقترح يمثل فرصة حقيقية لإعادة الأمل للتونسيين في إنعاش الاقتصاد العليل وتحقيق الاستقرار السياسي.
ويهدف المقترح إلى الاتفاق حول إصلاح النظام الانتخابي الذي لا يسمح لأي طرف بالفوز بأغلبية واضحة، إضافة إلى مراجعة تمويل الأحزاب، وطرح نقاش وطني حول طبيعة النظام السياسي.
ودعا الأمين العام لاتحاد الشغل السياسيين التونسيين إلى وقف الصراعات السياسية الضيقة واقتناص الفرصة للاتفاق على رؤية موحدة للإصلاح في القضايا الشائكة.
وقال الرئيس قيس سعيد نهاية الشهر الماضي: إنه قبل المبادرة التي سيشارك فيها شبان من أرجاء البلاد. لكن حتى الآن لم يُعلن عن أي موعد للحوار، مما يعزز الشكوك حول انعقاده وسط خلافات سياسية عميقة وتوتر بين اللاعبين الرئيسين في البلاد.