محاسبة المحاسبين والمتهربين
لم يف وزير المالية السابق بالوعد الذي قطعه مطلع العام الماضي: سنعلن عن أسماء مراقبي الدخل الفاسدين في الإعلام.!
كان الوزير السابق واثقاً بأنه سيفعلها لسبب كشفه علناً: لدينا أسماء مراقبي الدخل الفاسدين.!
تغيّر الوزير ولم يكشف عن اسم واحد من المراقبين الفاسدين.. ترى لماذا؟.
بما أن بعض مراقبي الدخل في وزارة المالية يعملون محاسبين أيضاً لدى كبار المكلفين مقابل راتب مجز، فمن الطبيعي أن يكونوا عنصراً فعالاً في التهرب الضريبي.!
برهن وزير المالية السابق حينها على فساد مراقبي الدخل بالقول: “عندما يحقق الاستعلام الضريبي عشرات مليارات الليرات فهو مؤشر على فساد عمل مراقبي الدخل”!.
الملفت أن وزير المالية السابق لم يحل أسماء مراقبي الدخل المعروفين لديه جيداً لأية هيئة تفتيشية ولا للقضاء لمحاسبتهم، بل اكتفى بتهديدهم “بنقلهم من عملهم، أو بنشر أسمائهم في وسائل الإعلام إن لم يتحسن عملهم وتنتهي الحالات التي يعملون بها”!!.
الملفت أكثر أن وزير المالية السابق لم يتخذ أي إجراء بحق أي مراقب دخل يعمل محاسباً لدى الجهات نفسها المكلف بها، مع أنه أكد حينها أن هذا الأمر (غير منطقي، ويحمل مؤشر علاقات وتشبيك مع أصحاب هذه المنشآت تدفع ثمنه الخزينة العامة عبر مساعدة هؤلاء المراقبين لأصحاب هذه المنشآت بالتهرب الضريبي).
ترى لماذا لم يتخذ وزير المالية السابق أي إجراء تفتيشي أو مسلكي بالمراقبين الذين يعملون محاسبين لدى التجار وكبار رجال المال، ولم يحل أياً منهم للقضاء؟.
والسؤال الآن: هل انتهى ملف مراقبي الدخل الذين يعملون محاسبين لدى كبار التجار ورجال الأعمال بتغير الوزير، والذين تسببوا بخسارة خزينة الدولة بمبالغ تقدر بعشرات المليارات؟.
وزير المالية الجديد كنان ياغي أعلنها أمام مجلس الشعب يوم 2/11/2020: يوجد محاسبون ثبت تورطهم بالتهرب الضريبي!.
نستنتج من كلام الوزير أن المتورطين والمتهربين لن يكونوا بمنأى عن المحاسبة، ولعل ما كان يشجع على التهرب الضريبي حتى وقت قريب هو ما يسمى بالتسويات الضريبية مع المتهربين، وما يرافقها من فساد مراقبي الدخل، وقد حدت وزارة المالية من هذا الأمر بإغلاق منشأة المتهرب، وبشطب الترخيص للمحاسبين المتورطين في مساعدة المكلفين بجرم التهرب الضريبي.!
وفي حال نجحت وزارة المالية باسترداد حق الخزينة من كبار المكلفين والمكتومين ضريبياً فإنها ستتوقف عن الحديث عن تخفيض الدعم، وستتوقف أيضاً عن الحديث عن عجز الموازنة!.
من المؤكد أن معالجة العجز بالموازنة العامة الذي بلغ 50 بالمئة في موازنة 2021 لا يكون بإلغاء الدعم أو تقليصه، كما يزعم بعض “المنظرين”، وإنما يكون بمعالجة التهرب الضريبي، واسترداد مليارات الفساد.
وفي حال تمكنت وزارة المالية من اجتثاث التهرب الضريبي من خلال أتمتة عملها، وإلغاء الاحتكاك المباشر بين مراقبي الدخل وكبار المكلفين، فإنها ستحصد عشرات المليارات الكافية سنوياً لتغطية الدعم والعجز.
فإذا أضفنا إلى ذلك وجود مؤسسات ضخمة غير مسجلة ضريبياً تم كشفها مؤخراً، فإننا أمام إمكانيات كامنة ومهدورة يمكن أن تزيد الكفاءة المالية للدولة إلى مستويات غير مسبوقة.
بالمختصر المفيد: آن الأوان لأتمتة عمل وزارة المالية من جهة، ولتطبيق الفوترة في وزارة التجارة الداخلية من جهة أخرى، فمن خلالهما تسترد الدولة حقوقها من كبار التجار وحيتان المال لتمويل عملية الإنتاج والإعمار، وتحسين الأحوال المعيشية لملايين الأسر السورية.
علي عبود