الأزمة السياسية تتعمّق والاحتجاجات تحاصر البرلمان التونسي
رغم الإجراءات الأمنيّة المكثفة، تجمع آلاف المتظاهرين قرب البرلمان التونسي، بدعوة من حوالى ثلاثين منظمة غير حكومية، للاحتجاج على استراتيجية القمع البوليسية المعتمدة في مواجهة الاحتجاجات الليلية التي اندلعت منتصف كانون الثاني في المناطق المهمشة في تونس، فيما احتج النواب على الانتشار المكثّف للقوى الأمنية، ودعوا إلى مزيد من الحوار.
وتمكّن المتظاهرون من الوصول إلى محيط مبنى البرلمان، وردّدوا هتافات منددة بتردي الأوضاع الاقتصاديّة ومعارضة للحكومة، فيما أجبرتهم القوى الأمنية على التراجع من أمام البرلمان، وسط تمسكهم بسلميّة حراكهم، وأفاد مصادر بوصول تعزيزات أمنية غير مسبوقة في محيط مجلس نواب الشعب، مشيرة إلى أن القوات الأمنية وضعت الحواجز لمنع المحتجين من الوصول إلى محيط البرلمان.
وتأتي التظاهرات بعد دعوة قوى سياسيّة ومنظمات شبابيّة ومدنيّة تونسيّة إلى الاحتجاج أمام البرلمان، والخروج في مسيرات جماهيريّة في عدة مناطق على خلفيّة استشهاد الشاب هيكل الراشدي الاثنين.
الناطق باسم الجبهة الشعبية التونسية حمة الهمامي، أكد أنّ “الحكومة والبرلمان في تونس ساقطان لا محالة لأنهما يزيدان المواطنين فقراً”، فيما أشار رئيس تحرير صحيفة “الشعب” يوسف الوسلاتي إلى أنّ “هناك نحو 1200 معتقل في تونس بينهم مدونون وأصحاب رأي”، وحذر من أنّ “بعض المجموعات الصغيرة تحاول تشويه الاحتجاجات عبر اللجوء إلى العنف”، مؤكداً أنّ “المقاربة الأمنيّة للتحركات الشعبيّة فاشلة”.
أمّا الناشط في المجتمع المدني محمد كمال الغربي، فأوضح أنّ “التحركات دعوة للمعارضة داخل البرلمان وخارجه للانضمام إلى المطالب الشعبيّة”، وأضاف: “الرئيس قيس سعيّد سيكون قائداً للمعارضة في مواجهة المنظومة الفاسدة”.
وفي ظل الاحتجاجات الشعبيّة المعارضة للحكومة، قال سعيّد الاثنين خلال اجتماع مجلس الأمن القومي: إن “التحوير الحكومي لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور، وأشار الى أنّ “بعض المقترحين في التحوير الوزاري تتعلّق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح”، وأعرب عن استيائه “من غياب المرأة عن قائمة الوزراء المقترحين”، فيما قال رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، إنّه عاد إلى البرلمان اليوم الثلاثاء لنيل الثقة لفريقه الوزاري المقترح بعيداً عن النقاشات التي وصفها بالـ ”عقيمة”، حول إجباريّة عرض التعديل الوزاري على مجلس نواب الشعب، وأشار إلى أن عودته إلى البرلمان هي “تكريس للديمقراطيّة الفضلى وتعزيز للثقة بين مكوّنات الدولة”.
ينذر كل ذلك بتوترات جديدة حول تشكيل الحكومة، التي باتت مهمة شاقة منذ الانتخابات التشريعية في العام 2019، التي أسفرت عن تشتت البرلمان بين عدد لا يحصى من الأحزاب التي تشكّل تحالفات هشة.
وبعد فشل الحكومة الأولى في الحصول على ثقة النواب في كانون الثاني 2020، واستقالة الحكومة الثانية في تموز، بعد بضعة أشهر في السلطة، أصبحت الحكومة الحالية موضع تجاذبات منذ توليها الحكم في أيلول.
وكان المشيشي، وهو تكنوقراطي عيّنه الرئيس قيس سعيد، شكّل فريقاً يضم العديد من المسؤولين والأكاديميين، من بينهم بعض المقربين من الرئيس. واكتسب ثقة النواب، الذين كانوا يواجهون خطر حل البرلمان، إلا أنهم ما لبثوا أن طالبوا لاحقاً بتغييرات. لذلك أعاد المشيشي تشكيل فريقه بدعم من حزب “النهضة”، المتحالف مع حزب “قلب تونس” الليبرالي، وائتلاف الكرامة الإسلاموي.
لكن الرئيس سعيد، وهو أكاديمي مستقل ومنخرط في مواجهة مع “النهضة”، يحاول قلب لعبة سياسية غير مستقرة مخاطراً بتفاقم العداوات التي تشلّ العمل السياسي، في وقت تضرّرت البلاد بشدة من وباء كوفيد-19 وتداعياته الاجتماعية.
يذكر أنّ تونس تشهد تظاهرات منذ أيام، اعتراضاً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيئ في ظل تفشي فيروس كورونا، واعتراضاً على الحكومة وعملها.
وتسجّل تونس أكثر من ألفي إصابة وأكثر من 50 وفاة اضافية بكوفيد-19 يومياً، وقد حذر أطباء من الصعوبات المتزايدة في العثور على أماكن في اقسام الانعاش. لكن القيود التي فرضت لمحاربة الوباء أثرت خصوصاً على الفئات الأكثر ضعفا، إذ تسببت بإلغاء عشرات الآلاف من الوظائف وعرقلت التعليم.
وشهدت التظاهرات استخدام قوى الأمن القوّة بحق المتظاهرين، حيث استشهد شاب وأصيب عدد منهم.
ونظمت تظاهرات في مدن تونسية عدة للمطالبة بسياسة اجتماعية أكثر عدلاً، وبإطلاق سراح مئات المحتجين الذين اعتقلتهم الشرطة خلال الاحتجاجات الأخير قبل أيام.
وعلى مدى ليال هاجم شبان الشرطة المنتشرة لفرض حظر التجوّل، وأعقبت هذه الاشتباكات الليلية تظاهرات تطالب خصوصاً بالإفراج عن مئات المحتجين الشباب، الذين ألقي القبض عليهم، وبسياسة اجتماعية أكثر عدلاً.