مجلة البعث الأسبوعية

ازدواجية المعايير والمناصب.. رياضتنا تعاني سوء العمل الإداري وغياب إدارة الموارد المالية!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

تتنامى الأحداث في كرتنا يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد آخر، وصار الشغب المادة الأكثر دسماً من الأهداف والانتصار والفرح، وباتت التوقعات تنحصر في المباريات التي ستشهد الأخطاء والإخلال بقانون كرة القدم، وصارت العيون تشخص للشغب أكثر مما تنتظر من أهداف جميلة.

فتحولت كرة القدم في دورينا إلى بساط أسود يسوده كل أنواع العنف والشغب والخروج عن الروح الرياضية، وآخر المهازل الاعتداء على الحكم بلقاء حرجلة وجبلة، ولو اتخذ اتحاد كرة القدم القرار الحازم المفترض بلقاء جبلة مع تشرين عندما تعرض الحكم المساعد للضرب لأنهى هذه الحالة البشعة بجرة قلم، لكن ما زلنا نعيش زمن المجاملات وإرضاء الخواطر والخوف على مصالحنا الضيقة التي تضيع في حزمة القرارات المفترض أن تتخذ. والقرارات التي تصدر، فضلاً عن كونها ضعيفة، فإن عدم التطبيق الفعلي هو مصيرها سواء لجهة التخفيف أم لجهة العفو، لذلك تنامى الشغب وصارت ملاعبنا بلا أخلاق.

فالأصل في الرياضة، وكرة القدم خاصة، أنها محطة للإنسان ليروّح بها عن نفسه، وهي متعة لمن يهواها، ومنافسة شريفة بين فريقين يفوز منهما من يستحق في النهاية، لكن للأسف تحولت المباريات عندنا إلى معركة تُجهّز لها كل الوسائل غير المشروعة للفوز، وتُستحضر كل الإمكانيات وتُشترى كل النفوس المريضة، فتعساً لهذه الكرة المريضة التي خرجت عن نطاقها وأهدافها وروحها الرياضية.

وإذا كان البعض ينظر إلى ما يحدث في ملاعبنا من بوابة الأسباب المباشرة، فلن يصل إلى أي حل، لأن المفترض بهؤلاء النظر إلى العمق وإلى الجذور لمعرفة الأسباب غير المباشرة، وهنا يمكننا إيجاد الحلول السريعة، واستحضار الدواء الشافي لعلاج أمراض كرتنا ولمكافحة الشغب الذي صار غير محمول.

وأكثر من مرة نبه العقلاء إلى خطورة ما يجري، فماذا ينتظر القائمون على الرياضة لإيجاد الحل؟ هل يريدون بملاعبنا أن تشهد ما لا يحمد عقباه؟ وإذا حاولنا البحث في الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الفلتان والشغب فإنها عديدة وكثيرة، ونذكر أهمها:

 

ازدواجية المعايير

اتحاد كرة القدم من خلال تعامله مع تفاصيل اللعبة (نشاطات – أفراد) يطبق مقولة “هذا معنا وهذا ضدنا”، لأنه مؤمن بنظرية المؤامرة، فهناك – كما يظن – من يتربص به في الخارج، وفي داخل البيت الكروي، لذلك تصدر القرارات تبعاً للمصالح والأهواء، فتأتي غير ملبية لمكافحة كل حالات الشطط والخروج عن الأخلاق الرياضية.

وهذا الأمر جعل المشاغبين يتمادون في شغبهم، والمظلومون يتعرضون للإجحاف، وهذا ما جعل الشغب يمتد، وخصوصاً عند أولئك الذين يظنون أن كل شيء له حل.

وعلى سبيل المثال لا الحصر: لاعب من فريق الجيش يخرج بالحمراء لسوء السلوك، ثم يعاقب بالإيقاف لمباراة واحدة، وتقرير الحكم – الذي تجاهله الاتحاد! – يفرض عليه عقوبة الإيقاف لمدة أربع مباريات على الأقل؛ ولاعب من فريق الشرطة “نطح” الحكم فكانت عقوبته الإيقاف لمباراتين فقط! وما حدث في مباراة جبلة وتشرين أمر يندى له الجبين ولن نعود للخوض فيه، لكن المفاجأة أن رئيس النادي عوقب لمباراتين فقط! وقبلها قام المكتب التنفيذي بإصدار عفو وكأنه منح المشاغبين صك البراءة، وقبلها خفّض اتحاد الكرة العقوبات إلى النصف وكأنه فعل ذلك تحت الضغط، أو ربما غيره.. هذه السياسة تؤدي إلى فشل العمل كله، وقد تؤدي إلى توقيف الدوري الكروي، إن لم يتم تدارك ما حصل وما سيحصل.

 

ازدواجية المناصب

الازدواجية في المناصب أفسدت الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، وكل شخص يعمل في الرياضة لديه عدة أعمال رسمية، إما داخل الرياضة أو خارجها، وكل عمل من هذه الأعمال يحتاج إلى تفرغ كامل، لذلك نسأل: ما العمل الذي ننفذه على حساب الأعمال الأخرى؟ أم إننا نهمل كل الأعمال لأننا ضائعون في زحمتها؟

والمشكلة الأكبر أن كل الأشخاص يعملون لناديهم من موقعهم المركزي، لذلك لا ينسى أعضاء اتحاد كرة القدم انتماءاتهم، فيعملون لمصلحة أنديتهم ويدافعون عنها، وهذا ما نلاحظه عياناً، ولا يحتاج إلى أدنى دليل.

من هنا فإن الازدواجية غير مقبولة في العمل الرياضي، وهذا الشخص إما أن يكون متفرغاً لناديه أو لاتحاده أو لغير ذلك من الأعمال، ولا يجوز له أن يخلط بينها، لأنه بذلك لا يحقق الهدف من وجوده بهذه المناصب.

من جهة أخرى، فإن شغل أكثر من منصب يكون على حساب آخرين يملكون الخبرة والكفاءة، ويتابعون الأمور من على المدرجات لأن أصحاب الحظوة لم يتركوا أي منصب فارغ لغيرهم.. بعض أعضاء الاتحاد  – مثلاً – لديهم أربعة مناصب مهمة وحساسة، فضلاً عن كونهم رؤساء للعديد من اللجان، فكيف سيقومون بمهامهم على أكمل وجه؟

وإذا سألت أحدهم: كيف تسير الأمور؟ يقول لك: على حساب بيتي ورزقي وأولادي؟ وإذا كان هذا الجواب صادقاً، فلماذا التهافت على كل هذه المناصب؟

حمّى المناصب ليست في اتحاد كرة القدم فقط، بل تتعداها إلى بقية المؤسسات الرياضية، وهناك تجد العجب العجاب، ونرى أكثر من مسؤول من ناد يتعذب أول الشهر، وهو يقبض رواتبه من هذا الموظف وذلك، وكل موظف بمكان غير الآخر، والرواتب في الأندية متعددة: راتب مدير، راتب مشرف، راتب مدرب، فضلاً عن المهمات وتعويضات السفر والاجتماعات ومكافآت الفوز والإنجازات الوهمية وغيرها.

ازدواجية العمل لا تتوقف على أصحاب المناصب، فالفنيون، من مدربين وغيرهم، تراهم يعملون في أكثر من ناد، ويعملون في نواد رياضية خاصة، سواء مدارس خاصة، أو بيوتات رياضية خاصة، أو ملاعب مكشوفة وغيرها.

 

العمل الإداري

العمل الإداري فن يحتاج إلى تراكم خبرات، ونجاح العمل الإداري ينعكس إيجابياً على الجميع، لكن ما نجده أننا مقصرون في هذا الاتجاه، وقد تكون مؤسساتنا الرياضية خبيرة في مجموعة أعمالها الرياضية بسبب عراقة هذه المؤسسات ووجود من يملك الخبرة والكفاءة في معالجة كل القضايا صغيرها وكبيرها.

لكن – للأسف – ما زالت هذه المؤسسات تقع بأخطاء غير مقبولة، وهذه الأخطاء تنم عن موقفين اثنين:

أولهما الجهل والإهمال وهو ما ندفع ضريبته اليوم بوجود أشخاص متنفذين يملكون مساحة واسعة من العمل في الحقل الرياضي ولا يملكون المساحة المفترضة من الإدارة وحسن التصرف.

وثانيهما الالتفاف على القانون وتجاهله وصولاً إلى غايات بعيدة كل البعد عن العمل المؤسساتي، وعن رعاية القوانين والأنظمة وحمايتها.

فقضية مباراة حرجلة مع جبلة لا تحتاج إلى كل الوقت الذي طال انتظاره، والقوانين واضحة وصريحة، لكن هناك من حاول تعطيلها؛ ومدرب الساحل محمد يوسف الذي أقيل من منصبه يطالب بحقوقه المالية دون أن يلتفت إليه أحد بدعوى عدم وجود عقد، فمن أخفى العقد؟

اتحاد كرة اليد طار بغمضة عين، وتم تشكيل اتحاد جديد بالسرعة ذاتها، دون بيان أسباب موضوعية، قالوا: الاتحاد استقال، ومثل ذلك ضم عضوين اثنين إلى إدارة نادي الوحدة، وتعيين عضو في إدارة نادي الاتحاد بدل عضو معفى.

القائمون على العمل في جميع مؤسساتنا الرياضية يتجاهلون الآلية القانونية في عمليات الاستقالة والتعيين وإصدار القرارات، فلماذا يتم ذلك؟

 

في قفص الاتهام

الكثير من أمور رياضتنا يثير الشكوك والشبهات، ويجعلنا نتحفظ على العديد من القرارات التي ترسم العديد من إشارات الاستفهام والتعجب؟!

وعلى سبيل المثال، فإن عقد الرعاية الخاص بالدوري السلوي مع إحدى القنوات الفضائية غير مقبول شكلاً ومضموناً، والعقد – الذي تناقله الجميع – تبلغ قيمته 35 مليون ليرة سورية لنقل مباريات الدوري السلوي فضائياً، وعلى شبكة النت، وحقوق استثمارات الإعلانات، وبيع حقوق النقل لأي جهة أخرى.

وجه الاستغراب يأتي أن لاعباً واحداً في لعبة كرة السلة ثمنه أكبر من هذا المبلغ، ويأتي أيضاّ من أن المؤتمر الصحفي الذي أقيم في فندق خمس نجوم لإطلاق الرعاية كلف أكثر من هذا المبلغ، والمثير أن العقد في مصلحة الفريق الثاني، حيث بإمكانه بيع حقوق النقل دون أن يعود على اتحاد السلة بأي فوائد من هذه البيوع!!

واللافت أن الإذاعة مغيّبة عن النقل، وإذا علمنا أن مباريات كرة القدم نجحت إذاعياً أكثر منها تلفزيونياً، لأدركنا تقصير اتحاد السلة بعدم شمول عقده النقل الإذاعي، وبالتالي فقد أضاع على السلة السورية مبلغاً آخر.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن مرحلة الذهاب من دوري كرة القدم شارفت على النهاية، ولم يتبق إلا أيام معدودة ليسدل الستار على ختام مرحلة الذهاب، ومع ذلك فشل اتحاد كرة القدم بتوقيع عقد رعاية لنقل مبارياته، وها هي مبارياته نقلت عبر الفضائيات والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي دون أن يستفيد منها بقرش واحد؛ وهذا يؤكد على ضعف خبرتنا في العمل التسويقي، وهذا الأمر له خبراؤه، والمفترض أن يتم الاتفاق مع شركات أخصائية بالرعاية والإعلان والتسويق من أجل تحقيق عقود مقبولة يتم طرحها بشكل مبكر؛ أي – بصريح العبارة – يجب أن يتم العمل منذ الآن على تسويق دوري الموسم القادم، وهذه الفترة الطويلة تكفل العمل الناجح بكل أركانه.

 

مليار ليرة فقط!

الأخبار الواردة من نادي الوحدة غير سارة ولا تدعو إلى التفاؤل، فالنادي بلغت ديونه حتى الآن حوالي مليار ليرة، أقل أو أكثر بقليل، وهذه الصرفيات دفعت على نشاطات النادي بكرتي القدم والسلة، وبعض النشاطات الخجولة الأخرى؛ وهذا المبلغ الكبير سيوقع النادي في عجز ما بعده عجز لسنوات قادمة، وللأسف لم يحقق المطلوب في الألعاب الرياضية فابتعدت كل فرق النادي عن المنافسة، بداية من كرة القدم، وفريقها الأول الذي يحتل خامس الترتيب، وفريق شبابها مهدد بالهبوط، وبالسلة الأمور أدهى وأمر، وكل الفرق لم ترسم البسمة على شفاه عشاقها، لكن اللافت للنظر فريق السيدات بكرة السلة الذي بيع إلى نادي قاسيون، وقيل أن أسباب البيع كانت لدواع انتخابية، فأًصوات الفريق لم تقع في خانة الإدارة الجديدة.. سيدات قاسيون اليوم بين كبار المنافسين على اللقب، بينما سيدات الوحدة بعيدات عن مركز يليق بالنادي وتاريخه.

وهنا نعود إلى المربع الأول لنتحدث عن هدر المال على كرتي القدم والسلة دون أن تعودا على رياضتنا بأي فائدة، بينما بقية الرياضات تنتظر من يسد رمقها ويدفع عجلة نشاطها؛ والمشكلة ليست في نادي الوحدة فقط، بل في الكثير من أنديتنا، وهذا يعطينا مدلولاً حقيقياً عن سوء إدارة الموارد المالية في المؤسسات الرياضية.. والحلول رغم أنها بسيطة إلا أنها غائبة، أو مغيبة لحاجة في نفس يعقوب!

 

أخيراً

أوراقنا الرياضية مبعثرة وربما في مهب الريح، وما يجري ليس في مصلحة الرياضة، ونحن لا نجد أي بارقة أمل واضحة لنتمسك بها.. ربما اليوم نحصد ما جنيناه في الأزمة التي أورثتنا الكثير من المشاكل والهموم والمتاعب، وما زلنا ضائعين لا ندري ما الحلول، ومن أين نبدأ؟ هل نبدأ بالملاعب والصالات التي تضررت بفعل الأزمة؟ أم بالقوانين والأنظمة التي تحتاج إلى إصلاحات كثيرة؟ أم نبدأ بالنفوس التي أتعبتها الأزمة وأفسدت تصرفاتها؟ وربما يكون هذا الطريق هو الأهم والأولى أن نبدأ به، فإذا لم تصلح النفوس فلن تستفيد رياضتنا ولو كانت عندها منشآت حضارية وقوانين طموحة، فبناء الإنسان أهم بكثير من بناء الحجر!