مجلة البعث الأسبوعية

أمين خياط.. عزف أمام أم كلثوم وأدهش نجاة الصغيرة ورافق ميادة حناوي ولحن لكبار المطربين

“البعث الأسبوعية” ــ أمينة عباس

ولِدَ في بيتٍ كان أشبه بنادٍ موسيقي، حيث اعتاد والده كل يوم خميس إقامة السهرات التي تضم أصدقاءه مع آلاتهم الموسيقية، والذين كانوا من كبار أهل الموسيقا والفن: حليم الرومي، رفيق شكري، نجيب السراج، عدنان قريش، ميشيل عوض، سلامة الأغواني، محمد عبد الكريم، وكان والده يشاركهم في عزفهم وضبط الإيقاع بآلته النقرزان؛ وفي هذه السهرات، سمع القصيدة والموشح والقدّ وأنواع الموسيقا الأصيلة كافة، ليختار بعد ذلك آلة القانون للعزف عليها، والتي حققت له نجومية كان من الصعب على أي موسيقي تحقيقها، وليصبح في زمن قصير اسماً لامعاً في عالم الموسيقا في زمن العمالقة.

 

متى أدركتَ أن الموسيقا هي مبتغاك؟

أدركت ذلك حين طغى حبي للموسيقا على تحصيلي الدراسي، لذلك ما إن تأسس المعهد الموسيقي الشرقي بدمشق، عام 1950، حتى انتسبتُ إليه بتشجيع من والدي، وكنت أصغر المتقدمين إليه، وخلال ذلك اطلعتُ على علوم الموسيقا الشرقية والعربية، وتعلمتُ العزف على آلة القانون التي اختارها والدي لي، وقد كنتُ من المتفوقين فيها، وكان أستاذي حينها العازف الشهير محمد العقاد، وكنتُ سعيد الحظ أن الأستاذ ميشيل معوض كان أستاذي الحقيقي في العزف على آلة القانون، فمن خلال نصائحه وإرشاداته وتماريني الطويلة والصعبة معه أتقنتُ العزف على هذه الآلة، وقد رافقني معوض حتى بعد تخرجي، عام 1954، حيثُ ظلّ يرعاني ويمدني بعلوم الموسيقا.

 

حدّثنا عن أصعب اللحظات التي مررتَ بها في مرحلة دراستك للموسيقا!!

أصعبها وأجملها كانت حين زارت أم كلثوم دمشق، في خمسينيات القرن العشرين، لإقامة حفلات فيها.. كنتُ طالباً في السنة الرابعة حين غنت أم كلثوم على مسرح معهد “اللاييك”، بحضور فخري البارودي الذي قام بدعوتها فيما بعد لإقامة حفل خاصّ مع المعهد الموسيقي الشرقي لرقص السماح، والعزف على القانون، وقد تم اختياري للعزف على القانون، ولا أنكر أن تلك كانت من أصعب اللحظات التي عشتُها في حياتي، وأذكر أنني عزفتُ بعضَ التقاسيم أمامها، وكذلك المقدمة الموسيقية لأغنية “ذكريات” – ألحان رياض السنباطي وكلمات أحمد رامي – فأثنت عليّ وهنأتني على عزفي. وحين زارت المطربة نجاة الصغيرة دمشق، عام 1954، لإحياء بعض الحفلات والغناء في نادي إشبيلية، بمرافقة أهم العازفين، كان من المفترض أن يكون معها عازف القانون، أستاذي محمد العقاد، ولكن لسفره المفاجئ قام بترشيحي، وأذكرُ جيداً أن نجاة الصغيرة يومها رفضت أن أنضم إلى العازفين الكبار معها لصغر سني، إلا أن العقاد أصرّ على مشاركتي، وهذا ما كان، وفوجئت نجاة الصغيرة حينها بمقدرتي على العزف، فاعتذرت مني وأثنت عليّ.

 

أي خيارات كانت أمامك حينذاك؟

بعد التخرج رفض والدي رفضاً قاطعاً العمل في النوادي الليلية، فانضممتُ إلى فرقة ميشيل عوض التي كان يعزف فيها أساطير العزف، كعمر النقشبدي على العود، وياسين العاشق على الكمان؛ وبدأت الخطوات الأولى مع سعاد محمد، في أوائل أغانيها، وقد طلبت مني مرافقتها إلى بيروت، ومن خلال الحفلات التي أقامتها اكتسبتُ الخبرة والمعرفة الموسيقية.

 

كانت لك محطة مهمة في حلب فماذا أنجزتَ فيها؟

بعد عودتي إلى دمشق، عام 1957، عرض عليّ عادل خياطة – حين عيّن مديراً لإذاعة حلب – العمل معه في الإذاعة، وهناك تعرفتُ في مدينة الطرب على أساتذة النغم وعلى شخصيات مهمة عملتُ معها فيما بعد، كـ نذير عقيل وشاكر بريخان. وفي هذه الفترة، بدأتُ أمارس التلحين من خلال النصوص الشعرية الغنائية التي كان يكتبُها شاكر بريخان، وقد غنّى بعضها مها الجابري وسمير حلمي وسحر ومحمد خيري وغيرهم؛ كما قمتُ بإنشاء فرقة موسيقية خاصة “الأوتار الذهبية” انضم إليها معظم العازفين الكبار في حلب، كالملحن إبراهيم جودت وسمير حلمي وعدنان أبو الشامات، وكان إنشاء هذه الفرقة حدثاً مهماً في مسيرتي الفنية، وأصبحت خلال فترة قصيرة تنافس فرق العزف الشهيرة وفرقة الإذاعة، وكانت، عام 1960، مع بدايات التلفزيون، ركناً أساسياً في برامجه وسهراته.

 

بعد حلب ودمشق اتجهتَ إلى أوروبا للعمل فما الذي دفعك للسفر؟

بعد محطتي في حلب، وفي الفترة التي عُيّنتُ فيها في مديرية المسارح والموسيقا، التابعة لوزارة الثقافة، كعازف على آلة القانون، تم اختياري مع عدنان المنيني وصلحي الوادي لتأسيس المعهد العربي للموسيقا، إلا أن عرضاً مغرياً للعمل في أوروبا جعلني أقدّم استقالتي، وأسافرُ إلى ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال رغبةً مني بالتعرف على موسيقا الآخرين، والعزف على آلة القانون في بلاد الغرب، فسافرتُ، في عام 1960، وأنا في عمر الرابعة والعشرين، مدة سنتين ونصف، جلتُ خلالها في أوروبا، وكانت إسبانيا البلد الذي أحببتُ الإقامة فيه، ففيه قابلتُ أساتذة مختصين في علم الموسيقا وتعلمتُ منهم وشاركتُ في فرق الفلامينكو بمقطوعات أدهشتهم.

 

ومتى كان تأسيس فرقتك الشهيرة “الفجر” التي رافقت كبار المطربين؟

بعد عودتي من أوروبا، عام 1963، حاولتُ جمع فرقتي الموسيقية “الأوتار الذهبية” مرة أخرى، إلا أنني لم أنجح في ذلك لأسبابٍ كثيرة، فقمتُ بتأسيس فرقة “الفجر” الموسيقية في دمشق، والتي شاركت في برنامج الأغنية العربية التراثي للمخرج جميل ولاية، وفي برامج أخرى مع عادل خياطة، وكانت تُقدّم هذه البرامج عدة مرات في الأسبوع، وعلى الهواء مباشرة. ونجحت الفرقة نجاحاً كبيراً إلى درجة أن بعض المطربين العرب كانوا يشترطون وجودها في حفلاتهم، فرافقت نور الهدى ونصري شمس الدين وصباح وسميرة توفيق ومحمد رشدي وشريفة فاضل وهاني شاكر، وأذكر جيداً أنه وفي إحدى حفلات الراحل وديع الصافي وقف الجمهور في نهاية الحفل وصفّق طويلاً له، وعندما انتهى التصفيق أهدى وديع الصافي هذا التصفيق الحاد إليّ، لأن الفرقة التي كنتُ أقودها كانت – برأيه – شريكاً حقيقياً في النجاح الذي حققه، وأذكر كذلك أنني سجلتُ قصيدة “أشواق” للمطربة ميادة حناوي وألحان رياض السنباطي من خلال فرقتي دون حضوره، وعندما سمعها عبّر عن شكره وامتنانه الكبير لي، وقال: “لقد نفذ أمين الأغنية كما لو كنت موجوداً”، والسبب أنني نفذتُها موسيقياً بعقليته، وماذا يحب، وماذا يكره، لذلك كانت النتيجة أغنية جميلة جداً تعدّ من أجمل الأغاني، لذلك أؤكد على أن الموسيقيّ يجب أن يحب ما بين يديه ويدرسه جيداً.

 

شكلت شراكة فنية متميزة مع ميادة حناوي.. حبذا لو تحدثنا عنها؟

بدأت العمل مع ميادة، عام 1980، من خلال فرقة الفجر الموسيقية، عندما حضر بليغ حمدي لدمشق ليسمعها، وكانت هذه المرحلة من أحلى المراحل وأغناها، لأنني رافقت حناوي في انطلاقتها الذهبية – آنذاك – التي تحققت بفضل ألحان حمدي، التي جعلتها خلال ثلاثة أشهر نجمة النجوم، وهذا ما لم يحدث مع غيرها.. كانت مرحلة مزدحمة بالحفلات التي أقمناها في جميع أنحاء الوطن العربي، وكان أهم ما يميزها الفن النظيف والمهنية، واليوم ما زالت ميادة صديقة عزيزة، تربطني بها علاقة صداقة أعتز بها.

 

كيف تفسر النجاح الكبير الذي حققته فرقتك.. “الفجر”؟

من أهم أسباب نجاحها أنها، ومنذ البداية، كانت لها أهداف لم تحد عنها، وأولها الإصرار على تقديم الفن النظيف واستقطاب العازفين الجيدين، إلى جانب عدم استهتارنا بجهود أعضائها من خلال إعطائهم حقهم كاملاً.

 

بالعودة للحديث عن التلحين الذي ظهرت نتائجه لديك في حلب.. كيف اكتسبت هذه المهارة؟

حين كنتُ طالباً في المعهد الموسيقي، زار والدي الملحن والمطرب الشهير أحمد عبد القادر، صاحب لحن “وحوي وحوي”، وذلك في العام 1954. وقد رافقتُ والدي في سهراته، كما تلقيتُ دروساً مهمة في حلب على يد الموسيقي عزيز غنام الذي علّمني أصول التلحين، وكانت تجربتي الأولى في التلحين مع مطربي ومطربات حلب الشباب، كما لحّنتُ أيضاً للأطفال، وهو من أصعب أنواع التلحين؛ وكان ذلك حين كلّفني غالب طيفور، رئيس قسم الموسيقا في التلفزيون، بتقديم “اسكيتشات” للأطفال وللبرنامج الذي كانت تعدّه هيام طباع، وقد حققت هذه “الاسكيتشات” والأناشيد التي قمتُ بتلحينها نجاحاً كبيراً. وألفتُ ولحنتُ أيضاً موسيقا لعدد من أغنيات المسرحيات، كمسرحية “عرس الدم” – إخراج علي عقلة عرسان – ومسرحية “طرّة ولّا نقش” لطلحت حمدي، وكذلك لعدد كبير من المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، حيث لحنتُ أغاني وقصائد وموشحات لمسلسل “الوادي الكبير” – بطولة صباح فخري ووردة الجزائرية – وأذكر أيضاً أنني دعيتُ، عام 1973، لزيارة القاهرة، وطلبتْ مني إذاعة صوت العرب تلحين عدد من الأغنيات، فلحّنتُ لشريفة فاضل ومها صبري، وصنّفتُ ملحناً من الدرجة الممتازة إلى جانب محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي، وفي رصيدي العديد من الألحان لصباح فخري وكروان ودلال الشمالي وسميرة توفيق وفاتن حناوي ومصطفى نصري وفهد بلان وموفق بهجت ودياب مشهور ودريد عواضة ومحسن غازي وشادي جميل وكنانة القصير وسمر عرفة، وغيرهم.

 

ما تفسيرك لابتعاد المطرب السوري اليوم عن المنافسة في الساحة الغنائية؟

يؤسفني أن أقول أن المطرب السوري يمتلك كل الإمكانيات، ولدينا مواهب هائلة، ولكن لا يوجد من يأخذ بيدهم، وهؤلاء إن لم يتجهوا إلى القاهرة أو بيروت فلا أحد يسمع بهم في ظل غيابهم عن شاشات محطاتنا التي تفتقد إلى البرامج المنوعة الشبيهة بتلك البرامج التي كانت في فترة الستينيات والسبعينيات، والتي كان المطرب يطلّ من خلالها.

 

بطاقة

رئيس فرقة الإذاعة الموسيقية، ومشرف على برامج التلفزيون الموسيقية، ورئيس الدائرة الموسيقية، ومستشار شؤون الموسيقا في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. كان أول نقيب للفنانين، وهو مؤلف موسيقي لمجموعة من المقطوعات الموسيقية، منها: “أيام زمان”، “ألوان”، “دمشق”.

وهو مدير مهرجان الأغنية السورية لعدة دورات، وأسس شركة إنتاج سينمائي “دمشق للسينما”، وكان أول إنتاج لها فيلم “خياط للسيدات” – بطولة دريد لحام ونهاد قلعي – وعضو لجنة تحكيم العديد من المهرجانات العربية.