التمهيد الإسرائيلي السعودي لاستهداف الاتفاق النووي الإيراني في حقبة بايدن
“البعث الأسبوعية” ــ محمد نادر العمري
سيخسر الكيان الإسرائيلي أكبر داعم له على مر العقود السابقة برحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن ذلك لا يعني أنه سيكف عن محاولة عرقلة جهود إحياء الاتفاقية النووية، أو تأخيره قدر المستطاع؛ بل على العكس من ذلك، فإن الاستعداد الإسرائيلي لمرحلة ما بعد ترامب قد بدأت بالفعل، حتى أن جزءاً من هذه الاستعدادات ترجم على أرض الواقع بمساعدة ترامب ودعم إدارته قبل الرحيل.
لذلك يتركز الموقف الإسرائيلي في المرحلة المقبلة على تعزيز التعاون والتقارب مع المملكة السعودية بهدف تضييق الخناق على إيران، حيث لم يعد الحديث في مراكز الدراسات بالولايات المتحدة الأمريكية عن إمكانية العودة إلى الاتفاقية النووية مع إيران من عدمها، وإنما حول كيفية قيام الإدارة الأميركية الجديدة بذلك، ومتى، وبأي ثمن، ولاسيما أن وجهة نظر الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن ترى أن تسريع إيران لبرنامجها النووي، والتوترات الإقليمية المتأججة، هو نتيجة لمقاربة “الضغوط القصوى” التي انتهجتها إدارة ترامب.
بايدن على استعداد لرفع العقوبات النووية، وإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، إذا عادت إيران إلى الامتثال له، هو ملخص تصريحات الرئيس الجديد خلال الفترة الانتخابية وما تلاها، واستكملها مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان: “بعد العودة إلى الصفقة، سيواصل بايدن المفاوضات لتقييد سلوك إيران الإقليمي”، مضيفاً في تصريح لشبكة “سي إن إن” إن برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية “يجب أن يكون على الطاولة”.
بالمقابل، الجانب الإيراني، أبدى استعداده للعودة إلى الاتفاقية على لسان الرئيس حسن روحاني، إلا أنه ربط ذلك برفع العقوبات الأميركية، يضاف إلى ذلك الإصرار الذي عبر عنه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والمتمثل بعدم استعداد إيران للتفاوض بشأن قضايا خارج برنامجها النووي.
في المحصلة، تقول إيران إنها ستعود إلى الاتفاق بمجرد أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات، بينما يقول بايدن إنه سيرفع العقوبات بمجرد عودة إيران إلى الامتثال، وبعيداً عن جدلية العربة والحصان، فإن روب مالي، مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط، يقول: “إن اتجاه الأمور سيحدده في النهاية المرشد الأعلى لإيران”؛ وهو بالفعل رسم افتتاحية إيران واستراتيجيتها في المرحلة المقبلة، قائلاً: “في حال أُلغيت العقوبات، فإن عودة أميركا إلى الاتفاق النووي تصبح ذات معنى، لكن في حال لم ترفع فإن عودة أميركا ربما ستضر بمصالحنا، علينا نحن أيضاً تنظيم اقتصادنا بطريقة يمكننا من خلالها إدارة البلاد حتى لو استمرت العقوبات”.
من الجانب الأوروبي، تبدي كاثرين أشتون، المفوضة الأوروبية التي قادت محادثات البرنامج النووي الإيراني، تفاؤلاً حذراً، وتلخص الوضع بمضمون ما يمكن وصفه “النوايا الحسنة وحدها لا تفعل شيئاً”، وهذا يمكن تلمسه من خلال قولها: “لن يكون من السهل على إدارة بايدن العودة إلى الصفقة النووية، على الرغم من الكم الهائل من النوايا الحسنة”.
وبخاصة أن الإيرانيين ما زالوا يعبرون عن مخاوفهم بشأن احترام الإدارة الأميركية الجديدة للاتفاق، ولن يكون من السهل على بايدن مواجهة جملة معطيات تقف حائلاً أمام العودة المنشودة، لذلك فإن المخاوف الإيرانية التي سبقت توقيع الاتفاقية، عام 2015، تعززت وتأكدت؛ والمطلوب من قبل الإيرانيين في محادثاتهم مع الأطراف المعنية بالاتفاق وضع الصفقة على أسس أكثر ثباتاً وديمومة، وأن يكون بايدن قادراً على ضمان التزام بلاده بها، وهي معضلة ذات شقين بالنسبة لبايدن: الأولى احتمال مواجهة رفض أغلبية الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ ومن أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري لمثل هكذا المطلب، والثانية رفع العقوبات؛ فقد حاولت إدارة ترامب عرقلة طريق بايدن للعودة إلى الاتفاقية، من خلال تكديس العقوبات على إيران بسبب القضايا غير النووية، ما يعني أن إعادة تفعيل الاتفاقية النووية يتطلب بالضرورة رفع هذه العقوبات، وهو الأمر الذي يستطيع بايدن القيام به من دون موافقة الكونغرس، ولكن ذلك لن يعصمه من المواجهة مع أعضائه.
وهذه المعضلة ستكون إحدى أدوات إسرائيل والسعودية للضغط على إدارة بايدن، فالأولى من خلال دور اللوبي الصهيوني في أميركا، وتغلغله في مفاصل صنع القرار والتأثير عليه، يمكن أن تحقق جزءاً من هذه الضغوط، أما السعودية التي أوقفت قانون “جاستا”، وجلبت الدعم الترامبي غير المحدود لها عبر الأموال، قادرة على شراء الكثير من الذمم وبذخ المليارات من الدولارات على أعضاء الكونغرس من خلال صفقات سلاح أو غيرها.
ومن المعضلات التي قد تستفيد منها تل أبيب، وتدعو من خلالها لإعادة التفاوض لنقطة الصفر، وإدخال أطراف جديدة على الاتفاق لخلط الأوراق وتعقيد الموقف وعرقلة إحياء الاتفاق، التغير الذي طرأ على الأطراف الراعية للاتفاقية؛ فبريطانيا اليوم خارج الاتحاد الأوروبي، وقد تطالب بتمثيل مستقل، والصين في حال نمو متنام يقلق أميركا، وإشراكها مجدداً يعني الاعتراف بنفوذها، وروسيا مواقفها أكثر حزماً من ذي قبل، واستفادت كثيراً من السياسات “الترامبية” مؤخراً لتعزيز موقعها الدولي.
وهناك رهان إسرائيلي يكمن في الداخل الإيراني، من شأنه إن يغير من المزاج السياسي – في حال عدم تدخل المرشد – وهو ما أشار له موقع “أكسيوس” الأمريكي بقوله: “إذا أراد بايدن صفقة مع روحاني، فلن يكون أمامه سوى 5 أشهر للحصول عليها”، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران المقبل، والتي – بحسب معارضي الاتفاقية النووية من الإيرانيين – ستأتي برئيس محافظ بعد تحميل الرئيس روحاني وتياره المعتدل مسؤولية ما تعرضت له إيران من اغتيال اللواء قاسم سليماني والعالم محسن زادة، وتراجع الوضع الاقتصادي، والتمسك بالخيار الدبلوماسي، ما يعني مزيداً من التشدد الإيراني إزاء إعادة إحياء الاتفاق النووي، ومزيداً من التعقيد في طريق العودة المفترضة إلى هذه الاتفاقية؛ وهذه الجزئية تحديداً شكلت هدفاً سعى له مثلث السعودية و”إسرائيل” وأميركا لإثارته والوصول له.
بالإضافة لذلك، حاول المثلث المكون من ترامب ونتنياهو وبن سلمان وضع العراقيل أمام إحياء الاتفاق النووي من خلال:
– تسريع اتفاقية “أبراهام” للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتوسيع رقعة أطرافها، وتحديد مركز القرار لهذه الدول ومصالحها مع تل أبيب.
– اغتيال العالم الإيراني محسن زاده ورفع وتيرة الاعتداءات بأشكالها المتعددة ضد المصالح الإيرانية وحلفائها في المنطقة .
– في 29 كانون الأول الماضي، وبناء على أوامر مباشرة من نتنياهو، أرسل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي خطاباً مقتضباً إلى وزير الحرب بيني غانتس: وفقاً لتعليمات رئيس الوزراء، ستتم صياغة موقف الحكومة بشأن الصفقة النووية الإيرانية بشكل حصري من قبل رئيس الحكومة، الأمر الذي يعني أن نتنياهو يستعد لاتخاذ موقف متشدد للغاية بشأن عودة بايدن للاتفاق النووي، وهو موقف يفضل فيه الشراكة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وليس مع مسؤولي حكومته الذين يريدون إتباع نهج أكثر هدوءاً مع الإدارة الأميركية.
– تشكيل جبهة ضغط مكونة من “إسرائيل” ودول الخليج، بحيث لا تستطيع الإدارة الأميركية الذهاب للحوار مع إيران من دون موافقة هذا التجمع, وفي هذا السياق، تؤكد صحيفة “نيويورك تايمز” أن الاستعجال في إتمام المصالحة الخليجية، جاء في إطار مسعى لتوجيه ضربة للاقتصاد الإيراني، تضع مزيداً من التعقيد في وجه العودة السريعة للاتفاق النووي. من بينها ما أثاره جاريد كوشنير خلال لقائه بالقطريين حول تغيير مسار الرحلات الجوية التجارية من قطر عبر المجال الجوي السعودي بدلاً من إيران.
هذا الإجراء سيحرم إيران من رسوم تقدر بنحو 100 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى أنه سيؤثر على العلاقات الاقتصادية التي تحسنت بشكل نوعي بين الدوحة وطهران خلال سنوات الأزمة الخليجية، إذ تشير الإحصاءات الرسمية القطرية إلى أن حجم التبادل التجاري السلعي، ارتفع من 357 مليون ريـال قطري إلى 1،558 مليون ما بين عامي 2017 و2018.
– تصنيف الحوثيين في اليمن على أنهم تنظيم إرهابي، وذلك لمنع إدارة بايدن من محاسبة وعزل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والمجيء بالرجل المفضل لبايدن ولي العهد السابق محمد بن نايف من جانب، ومن جانب آخر لمنع توقف الحرب على اليمن دون تحقيق الأهداف السعودية الإسرائيلية المشتركة وبخاصة بعد الرعب الإسرائيلي من القدرات الدفاعية التي يمتلكها الحوثيون، وخشيتهم من وصول الصواريخ اليمنية للأراضي المحتلة في فلسطين أو للسفن الإسرائيلية التي تعبر البحر الأحمر.
– في آخر خطواته التي تنصب في اتجاه الجبهة المعادية لإيران، ورسم إستراتيجية خلفه جو بايدن في المنطقة، استجاب ترامب لدعوات وجهها “المعهد اليهودي للأمن القومي اليهودي”، تتضمن نقل “إسرائيل” من منطقة عمليات القيادة الأمريكية في أوروبا، إلى منطقة عمليات القيادة المركزية الوسطى، أو ما يعرف “سنتكوم” ومقرها قطر، وهذا من شأنه بالدرجة الأولى أن تكون إسرائيل تحت الحماية والمتابعة الأمريكية أولاً، ويمنحها القدرة على نقل قوات إلى القواعد في الخليج.
إيران تدرك أبعاد هذه الخطوات وأهداف السلوكيات المتقلبة في المنطقة، وهي التي استطاعت في معظم الأحداث أن تكون نداً للعنجهية الأمريكية على كافة المستويات وبخاصة ضد ما عرف بالعقوبات القصوى، فهل تكتفي إسرائيل والرياض بذلك، أم أن هناك الكثير مما يقال بعد؟