“أقل ما يقال” .. أرقام بحاجة إلى تعزيز
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
لا شك أن تخفيض فاتورة المستوردات السورية إلى 4 مليارات يورو للعام 2020، مقابل 5.2 مليار يورو عام 2019، و6.3 مليار يورو عام 2018، و18 مليار يورو عام 2011، نقطة تسجل لصالح وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية..
تشير هذه الأرقام، بشكل أو بآخر، إلى مدى تصدي الوزارة لدعاة الاستيراد، وما قد يجلبونه من كوارث اقتصادية تنال من سعر الصرف والقوة الشرائية من جهة، ومدى نجاح تنفيذها لبرنامج إحلال بدائل المستوردات الذي يعول عليه تعزيز وتفعيل الإنتاج المحلي من جهة ثانية.
وفي ذات السياق، أعلنت الوزارة أن كمية الصادرات السورية ازدادت مقابل انخفاض الواردات، حيث جرى التصدير إلى 117 دولة خلال 2020، مقابل التصدير لـ 109 دول في 2019، وقبلها إلى 108 دول في 2018.. وهذا مؤشر عام على تفعيل الإنتاج، وانعكاسه على تحسين الصادرات، في خطوة طالما تمت المناداة بها.
نعتقد أن نتائج عمل الوزارة سيكلل بنجاح أكبر في حالتين اثنتين:
الأولى الإسراع بإصدار قانون الاستثمار، خاصة وأنه يتم الحديث في الأروقة الحكومية عن قانون عصري يسهل عملية الاستثمار، ويحمل في طياته مزايا تشجيعية من المفترض أن تسرع عجلة الإنتاج.
والثانية رأب صدع تسلل المهربات إلى السوق المحلية، وبتر محاصرتها للمنتج المحلي واستنزافها للقطع الأجنبي، والذي يقدر بحوالي 3 مليارات دولار سنوياً.
ربما ينم هذا المشهد عن أن الاقتصاد الوطني ورغم ما ألم به – ولا يزال – من تداعيات سببها الحصار والعقوبات تارة، والفساد وعدم تحديد نهج واضح للسياسات الاقتصادية تارة أخرى، وما تمخض عن ذلك من تحديات وانتكاسات نتج عنها ضغوطات ليست بالقليلة، وتدهور البنية الإنتاجية، فإنه يعيش مرحلة مخاض عسير، يمكن أن تفضي إلى عتبة من الانفراج الاقتصادي خلال الأشهر القادمة.. ولعل ما صرح به السفير السوري في روسيا حول “أن العمل متواصل وجاد لتطبيق الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها مؤخراً بين البلدين بأسرع وقت ممكن”، وتأكيده بأن “الأمور مطمئنة وتسير بالاتجاه الصحيح”، يدعم فرضية الولوج نحو الانفراج المنتظر، لاسيما وأن عديداً من المتابعين الاقتصاديين يتحدثون، هذه الفترة، عن تحسن مرتقب بناء على معطيات لم يتم الإفصاح عنها حتى الآن.
في الوقت نؤكد أن تناولنا لما سبق لا يعني بث جرعة من التفاؤل الكاذب بما هو قادم من الأيام، لا بد من التأكيد على ضرورة تكثيف البرامج الحكومية باتجاه الإنتاج، أولاً، فهو العامل الأساسي لخلاص الاقتصاد مما ابتلي من “أمراض وآفات”، والعمل على مكافحة الفساد ثانياً، وتبسيط الإجراءات ثالثاً، وهذان العاملان جاذبان للاستثمارات الحقيقية إلى البلد، وسبق لنا، وبأكثر من مناسبة، أن تناولنا هذه العوامل بكثير من التفصيل، وما لها من آثار إيجابية على تعزيز الإنتاج.
وبالعودة إلى وزارة الاقتصاد، لا بد من التذكير أخيراً أنه ليس من قبيل المصادفة أن تحصل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على لقب “وزارة سيادية”، وإنما لاعتبارات أبرزها أنها المسؤولة عن رسم السياسة الاقتصادية، إضافة إلى وضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج لتنمية وترويج الصادرات وتحسين وضع الميزان التجاري وميزان المدفوعات، فضلاً عن تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وقطاع الأعمال والمنتجات الوطنية وتنسيقها مع السياسات النقدية والمالية، بما يحقق التوازن الاقتصادي الكلي، وتعزيز دور القطاع العام في الصناعات الاستراتيجية والبنية الصناعية الارتكازية، وفي القطاعات الرئيسية ليكون لاعباً أساسياً في البنية الإنتاجية الوطنية، إضافة إلى تطوير برامج تستهدف قطاعات إستراتيجية محددة لدعم الإنتاج المحلي وتنميته وحمايته في مجال التجارة الدولية، وإرساء مفهوم الاقتصاد المعرفي في الاقتصاد الوطني بما يتيح تنويع بنية الاقتصاد ومصادره.
فكل ما سبق يدفع بكل الجهات المعنية بالشأن الاقتصادية أن تسير ضمن المسارات التي ترسمها وزارة الاقتصاد، فبذلك نضمن الوصول إلى بر الأمان..