مجلة البعث الأسبوعية

بوارج ومعدات عسكرية إسرائيلية في الحديدة وتدريبات ودعم للانفصاليين في الجنوب حرب إسرائيلية خاطفة على اليمن على وقع التطبيع المتسارع مع ممالك ومشيخات الخليج

“البعث الأسبوعية” ــ تقرير العدد

تفيد تطورات الوضع في الشرق الأوسط بأن من غير المرجح أن يؤدي العام 2021 إلى إنهاء حرب المملكة السعودية المستمرة منذ ما يقرب من ست سنوات على اليمن. وعلى العكس، من المتوقع أن يتسارع تدهور الوضع وتتكثف بوادر التصعيد خلال الفترة القليلة القادمة، فالبوارج الإسرائيلية ترسو الآن جنباً إلى جنب مع الطرادات الإماراتية في المياه الإقليمية لمدينة الحديدة، في إشارة صارخة إلى الدور المتزايد لإسرائيل في الحرب، فيما ترصد صنعاء منذ أكثر من أسبوع، تحرّكات إسرائيلية وأميركية، قبالة مضيق باب المندب وفي البحر الأحمر، وترى فيها مقدمة لعدوان أوسع، أو لحرب خاطفة، وسط خشية الكثير من اليمنيين ألا تنتهي طموحات إسرائيل في بلادهم عند مضيق باب المنب الاستراتيجي، بل تمتد إلى إيجاد موطئ قدم في الداخل اليمني، من خلال العمل على استبدال السكان الأصليين للجزر، وغيرها من المدن الساحلية اليمنية، بمستوطنين إسرائيليين، في خطوة تذكر بالاستيلاء على الأراضي التي أدت في نهاية المطاف إلى قيام ما يسمى الآن بـ “إسرائيل”.

وكان المتحدث باسم القوات المسلحة التابعة لجماعة “أنصار الله” الحوثية، العميد يحيى سريع، حذّر، في تشرين الأول الفائت، من أن إسرائيل تخطط لتجنيس عشرات الآلاف من اليهود المولودين في اليمن، مؤكداً أن مثل هذا السيناريو يمثل تهديداً خطيراً للأمن الوطني اليمني، وقدم سريع عدداً من الوثائق الأمنية التي تم الاستيلاء عليها عندما أسقط الحوثيون حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، متهماً الإمارات وإسرائيل بإحياء مشروع منح الجنسية الإسرائيلية لأكثر من 60 ألف يهودي يمني، وذلك كجزء من جهد إماراتي أوسع ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية وتدفع إليه.

 

حرب خاطفة

على الأرض، تبدو المواجهة العسكرية المفتوحة أقرب من أي وقت مضى، خاصة في أعقاب إعلانات النوايا الإسرائيلية، بما في ذلك تصريح المتحدث باسم جيش الحرب الإسرائيلي، العميد هيداي زيلبرمان، الذي كشف، قبل أيام، في مقابلة مع موقع “إيلاف” الإخباري السعودي، على شبكة الإنترنت، عن تفكير الحكومة الإسرائيلية بشن حرب خاطفة في اليمن، وقال إن إسرائيل “تتوقع هجوماً إيرانياً من اليمن والعراق”، وأشار إلى اليمن بـ “الدائرة الثانية لإيران بعد لبنان وسورية” على حد تعبيره. وقد جاءت هذه التصريحات بعد تصريح مماثل أدلى به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تشرين الأول الماضي، وزعم فيه أن إيران سعت إلى ضرب إسرائيل من اليمن باستخدام ضربات صاروخية جراحية.

وقد بدأت إسرائيل بالفعل بنقل معدات عسكرية إلى المنطقة بعد التطبيع الأخير مع دول الخليج، بما في ذلك مع الدول المشاركة في “التحالف”، أي الإمارات والبحرين، كما أكد اللواء جلال الرويشان نائب رئيس الحكومة لشؤون الأمن والدفاع.

وأكثر من ذلك، تشير التقارير إلى أن إسرائيل شاركت في الحرب ضد اليمن نيابة عن التحالف الذي تقوده السعودية كجزء من سلسلة من التدخلات السرية التي شاركت فيها قوات المرتزقة، وما تردد عن شن عشرات غارات جوية إسرائيلية في اليمن، وحتى إسقاط قنبلة نيوترونية على جبل النقم وسط صنعاء، في أيار 2015. لكن أي وجود إسرائيلي في الجنوب سيؤدي إلى صدام لا مفر منه مع إسرائيل، بحسب صناع القرار في اليمن.

ويرى مسؤولون حكوميون يمنيون في صنعاء، أن التنسيق قائم بين إسرائيل وممالك الخليج لتصعيد الوضع في اليمن، وتبرير ذلك كرد فعل لرد إيراني متوقع، في أي وقت، على اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، بالقرب من العاصمة طهران في 27 تشرين الثاني الماضي، وقائد فيلق القدس، الشهيد قاسم سليماني، الذي قاتل في اليمن، واغتيل في كانون الثاني من العام الماضي في غارة جوية أمريكية على مطار بغداد الدولي.

ولكن مسؤولاً يمنياً رفيع المستوى في وزارة الخارجية حذّر من أن أي هجمات إسرائيلية أو حرب ضد اليمن ستشعل حرباً شاملة في الشرق الأوسط، وأن إسرائيل ستكون أول من يعاني، مضيفاً أن مصالح إسرائيل وحلفائها في منطقة البحر الأحمر ستصبح هدفاً مشروعاً في إطار حق الدفاع عن النفس الذي تضمنه جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية.

وفي تشرين الثاني 2011، هدّد زعيم جماعة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، إسرائيل، بقوله: “شعبنا لن يتردد في إعلان الحرب المقدسة ضد العدو الإسرائيلي، وفي شن أشد الضربات ضد أهداف حساسة في الأراضي المحتلة، إذا تورط العدو في أي حماقة ضد شعبنا”.

 

إسرائيل تدعم الانفصاليين

في الجنوب، ووسط خطوات التطبيع المتسارعة والمتزايدة باستمرار بين تل أبيب ودول الخليج، أقام المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو اليوم سلطة الأمر الواقع في عدن، وبالتوازي، علاقات سرية مع إسرائيل على الرغم من المعارضة القوية لبعض قادة المجلس، ولجمهور جنوب اليمن، وهو يتلقى اليوم أشكالاً مختلفة من الدعم الإسرائيلي، بما في ذلك الأسلحة والتدريب، وذلك بعد محادثات سرية بين مسؤولي المجلس الانتقالي في الجنوب بين وتل أبيب برعاية إماراتية.

قبل ذلك، كان نائب رئيس المجلس الانتقالي، هاني بن بريك، قد أعلن أن لدى ميليشياته الاستعداد لإقامة علاقات مع إسرائيل، قائلاً: “السلام مع إسرائيل مرغوب”، وهو “طموح بالنسبة لنا”، مضيفاً أن أي علاقة مع إسرائيل يجب أن تكون في إطار ما أسماه “مبادرة السلام العربية” التي كان أطلقها العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، لكنه عاد وأكد الاستعداد لـ “إقامة علاقات مع أي دولة تساعدنا على استعادة دولتنا”.

وقد جاءت هذه التطورات بعد مؤتمر وارسو، في شباط 2019، والذي ركز ظاهرياً على الأمن في الشرق الأوسط.. هناك، جلس خالد اليماني، وزير الخارجية السابق، في حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، إلى جانب نتنياهو، في بادرة “إحماء” علنية للعلاقات مع إسرائيل. وفي أعقاب ذلك، أشار مبعوث السلام الأمريكي جيسون غرينبلات، الذي عمل أيضاً محامياً شخصياً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومستشاراً لإسرائيل، إلى أن الحادث الودي قد يكون الخطوة الأولى في إقامة تعاون بين اليمن وإسرائيل.

وفي تطور متصل، سربت صحيفة “إسرائيل اليوم” الواسعة الاتتشار، أن تل أبيب تجري اجتماعات سرية مع المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث هناك “أصدقاء سريون” لإسرائيل. وفي الواقع، تم تأكيد هذا “الموقف الإيجابي” تجاه إسرائيل من قبل نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نفسه، في مقطع فيديو نُشر على موقع يوتيوب.

ظاهرياً، يهدف الدعم الإسرائيلي لمساعدة المجلس الانتقالي الجنوبي في مواجهة المعارضة المحلية، لكن الحقيقة هي أن إسرائيل تحاول إقامة موطئ قدم على الجزر اليمنية في مضيق باب المندب، وفي عدن، وجزيرة سقطرى. من جانبه، لا يحتاج المجلس الانتقالي الجنوبي فقط إلى إحكام سيطرته على المناطق الجنوبية، ومتابعة هدفه الطويل الأمد المتمثل في إعلان الانفصال عن الشمال، بل ويحتاج أيضاً إلى بوابة إلى الولايات المتحدة وإلى الغرب؛ وكما العديد من ممالك ومشيخات الخليج العربية، يعتقد المجلس الانتقالي الجنوبي منذ فترة طويلة أن الطريق إلى المصادقة الأمريكية تمر عبر إسرائيل.

ومع ذلك، يدرك القادة السياسيون في الجنوب أن العلاقات مع إسرائيل لن تؤدي إلى “دولة مستقلة”، وأن هذه العلاقة ستكون عقبة أمام الحصول على الدعم الشعبي، فالجنوبيون يعتبرون أن القضية الفلسطينية قضية الجميع، وهو موقف لن ينجح المجلس الانتقالي الجنوبي في تغييره، وهم يقولون إن قضية فلسطين هي قضية تهم المسلمين ككل، وهو أمر لا يمكن لأي قوة محلية أن تأمل في تغييره.

 

بايدن.. القنابل مسنمرة بالوصول

في واشنطن، أعرب الرئيس المنتخب جو بايدن عن بعض المعارضة للحرب السعودية الخبيثة على اليمن، لكن معظم اليمنيين لا يرون سوى فرصة ضئيلة في أن يأتي النزيل الجديد للبيت بتغييرات إيجابية بالنظر إلى الواقع الجيوسياسي الحالي في الشرق الأوسط. ويتضمن هذا الواقع قدسية العلاقة الأمريكية مع إسرائيل، والأموال السعودية، وحمى التطبيع التي تجتاح الشرق الأوسط بين الدول الخليجية وإسرائيل، وربما الأهم من ذلك، الهوس المستمر للإدارات الأمريكية المتزامنة، وهوس الرياض وأبو ظبي، بمحاولة احتواء ما يسمى “النفوذ الإيراني” في الشرق الأوسط، وربط الحرب في اليمن بهذا الجهد، وسط موجة من الموافقات التي قدمتها الولايات المتحدة لكل من التحالف السعودي وإسرائيل، فقد تمت الموافقة على بيع الأسلحة لكل من السعودية والإمارات، البلدين اللذين لا يزالان يشنان حرباً ضد أفقر دولة في الشرق الأوسط.

وهذه الموافقات تشمل 290 مليون دولار من القنابل، كهدية أخيرة من إدارة الرئيس ترامب، وبيع طائرات بدون طيار متطورة وطائرات F-35 المقاتلة بقيمة 65. 6 مليون دولار إلى الإمارات، وهي مكافأة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

 

مقاومة الحوثيين

ترى القوى السياسية اليمنية في جهود إسرائيل، لدعم ظهور دولة انفصالية في الجنوب، لعبة خطيرة؛ وقد اتهمت حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء الإمارات بتوفير غطاء للأهداف الإسرائيلية في جنوب اليمن، الأمر الذي كان ألمح إليه في الآونة الأخيرة، السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، في مقال لصحيفة يديعوت أحرونوت، حين أكد إن بلاده “دفعت بمبادرات من شأنها أن تمنح إسرائيل امتيازات” في اليمن. وقال وزير الإعلام ضيف الله الشامي إن “العدو الإسرائيلي يرى اليمن بمثابة تهديد له، لا سيما في موقعه الاستراتيجي، لذلك عمل على إيجاد موطئ قدم في اليمن من خلال الدور الإماراتي”.

ولا شك أن أي عمل عسكري إسرائيلي ضد اليمن سيؤدي إلى تصعيد شامل في البحر الأحمر، وأي مكان آخر في المنطقة، ولن يتردد الحوثيون في متابعة الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الانتقامية على أهداف في السعودية والإمارات. وعلاوة على الاستعدادات الميدانية لمواجهة مفتوحة ومؤلمة، فإن احتمال سقوط صواريخ الحوثيين على إسرائيل أمر حقيقي للغاية؛ ولا يمكن أن ننسى أن اليمن أغلق، خلال حروب 1956، و1967، و1973، بين العرب وإسرائيل، مضيق باب المندب ومنع السفن الإسرائيلية من عبوره.

ومن بين جميع القوى السياسية والقبائل والقوى العسكرية التي لا تعد ولا تحصى في اليمن، يعتبر الجيش بقيادة أنصار الله الأفضل والأكثر استعداداً للرد على إسرائيل. وتلتزم حركة أنصار الله، الجناح السياسي للحوثيين، بوحدة أراضي اليمن، وأعلنت أنها لن تتردد في “توجيه ضربة موجعة” لإسرائيل في حال قررت تل أبيب التورط في الحرب.

وبغض النظر عن أي تطورات محتملة، فإن الحرب ستستمر على الأرجح في التصعيد في عام 2021، وسيفقد ​​المزيد من اليمنيين حياتهم، وسيزداد عدد النازحين داخلياً، وسيستمر انتشار الأوبئة بلا هوادة، وسيتم تدمير المزيد من المدن والمستشفيات والمدارس، وستترك ملايين العائلات لا حول لها ولا قوة دون أي وسيلة للرزق.

مشروع لمنح الجنسية لأكثر من 60 ألف يهودي يمني، وخطة لاستبدال أهالي الجزر والمدن الساحلية بمستوطنين إسرائيليين